قال الله تعالى: إنّما يخشىَ اللهَ من عبادِهِ العُلماء إنّ اللهَ عزيزٌ غفورٌ (28)، [سورة فاطر] و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنةالحديث رواه مسلم.
اعلم أرشدك الله أنّ مذهب القوم وطريقهم، هو طريق أهل السنة والجماعة، فقدصحت عقيدتهم وصح اتباعهم، غرضهم الالتزام بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، مع الإكثار من النوافل، والخروج عن الدنيا و الملذات، ويدلعلى حسن اتباعهم وصدق يقينهم وصحة معتقدهم، أنهم رفعوا لواء العلم، فكانمنهم العلماء والقراء والمحدثون، وما ينقل عنهم من عبارات خالصة فيالتوحيد والتنزيه دال على حسن اتباعهم وصدق انتمائهم وما سنذكره لك فيسياق كلامنا عن علومهم واقتدائهم بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .
قال القوم: "تعلموا علم عقيدة أهل السنة والجماعة، و الطهارة والصلاةوالصوم والحج والزكاة، والعقود من البيوع والحلال والحرام، والمكروهوالواجب والمندوب، والمباح والصحيح والباطل".
واعلم أن العلم يورث الخوف من الله، وطول الصمت، وكثرة التفكر والاعتبار،واذا اعتبرت علماء السلف رأيت الخوف غالبا عليهم، والدعاوى بعيدة عنهم،قالت عائشة: "ليتني كنت نسيّا منسيّا"
وانما صدر هذا عن مثل هؤلاء السادة لقوة علمهم بالله، وقوة العلم به تورث الخوف والخشية، قال الله عزوجل إانّما يخشى الله َمن عباده العلماء [سورة فاطر] أي العلماء الأتقياء يخشون الله و يخافونه أكثر من غيرهم. وقال عز وجل : ا أنا اعلمكم بالله وأخشاكم له فقدم صلى الله عليه وسلم العلم بالله على الخشية منه.
قال سهل بن عبد الله التستري: "علامة حب الله حب القرءان, و علامة حب اللهو حب القرءان حب النبيّ، وعلامة حبه حب السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة،وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا، والمقصود بالسنة هنا الشريعة وهي العقيدةوالأحكام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم
وأنشدوا: (الطويل)
فما لك يوم الحشر شيء سوى الذيتـزودته قـبل الممات الى الحشراذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداندمت على التفريط في زمن البذر
ويقول السيد أحمد الرفاعي الكبير: "الطريق واضح صلاة وصوم وحج وزكاة، فالتوحيد والشهادة برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أول الأركان واجتناب المحرمات هذا هو الطريق".
وأنشد بعضهم: (الطويل):
لكل بني الدنيا مراد ومقصدوان مـرادي صحة وفراغلأبلغ في علم الشريعة مبلغايكون به لي في الجنان بلاغ
ويقول الفضيل بن عياض: "اتبع طرق الهدى ولا تغتر بقلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين".
ويقول الجنيد: "من لم يحفظ القرءان ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بأصول السنة".
ولا عبرة ولا اعتبار بقول من قال: دع علم الورق وخذ علم الخرق، بل قل كما قال الامام أحمد بن حنبللما رؤي وهو يحمل المحبرة على كبر سنه فقال له رجل: الى متى يا أبا عبد الله فقال: "المحبرة الى المقبرة".
وكان الامام أحمديرى المحابر بأيدي طلبة العلم فيقول: "هذه سرج الإسلام".
وأنشد سيدي الرواس فقال في هذه القصيدة القدسية: (الطويل)
تمسك بذي علم منير على هدىفـأهل عـلوم كالنجوم الزواهروان أخـا عـلم به الزيغ كامنأضر على الإسلام من ألف كافر
هذا شأنهم وهذا مشربهم علم وعمل واتباع للسنة واقتداء واتباع لسيد الأنبياء.
واليك ما يقول العالم العلم البحر الحبر السيد الشريف الشيخ أحمد الرفاعيالكبير في تعظيم العلم والعلماء: "أيْ سادة عظموا شأن الفقهاء والعلماءكتعظيمكم شأن الأولياء والعرفاء، فانّ الطريق واحد، وهؤلاء ورّاث ظاهرالشريعة ومحلة أحكامها الذين يعلمونها الناس وبها يصل الواصلون الى الله،اذ لا فائدة بالسعي والعمل على الطريق المغاير للشرع، ولو عَبَدَ اللهالعابدُ خمسمائة عام بطريقة غير شرعية فعبادته راجعة اليه، ووزره عليه،ولا يقيم الله له يوم القيامة وزنا، فإياكم وإهمال حقوق العلماء وعليكمبحسن الظن فيهم جميعا –أي بالعلماء العُلماء- وأما أهل التقوى منهم،العاملون بما علمهم الله فهم الأولياء على الحقيقة فلتكن حرمتهم عندكممحفوظة".
ويقول أيضا: "العلماء سادات الناس وأشراف الخلق والدالون على طريق الحق،لا تقولوا كما يقول المتصوفة نحن أهل الباطن وهم أهل الظاهر، فانّه لولاالظاهر لما بطن، ولولا الظاهر لما كان الباطن ولما صح، القلب لا يقوم بلاجسد، بل لولا الجسد لفسد".
ويقول الصوفي سهل بن عبد الله التستري: "الدنيا كلها جهل الا ما كان علماوعملا، والعمل كله موقوف الا ما كان على الكتاب والسنة وتقوم السنة علىالتقوى".
وقال أيضا: "احفظوا السواد على البياض (أي كتابة العلم) فما أحد ترك الظاهر الا تزندق".
وقال بعضهم: "ما من طريق الى الله أفضل من العلم فان عدلت عن طريق العلم خطوة تهت في الظلام".
وقال أبو سعيد الخراز: "كل باطن خالف الظاهر فهو باطل".
وسئل الامام أحمد بن حنبل في قوله[ عز وجل ]: لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعةرواه الخطيب البغدادي في شرح أصحاب الحديث، فقال: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم.
وقال الصوفي عبد الله بن خفيف الشيرازي: "إشتغِلوا بتعلم العلم ولا يغرّنكم كلام الصوفية". أي جهلة المتصوفة.
ويقول سيدنا أحمد الرفاعي: "أي حالة باطنة لقوم لم يأمر ظاهر الشرع بعملها، وأي حالة ظاهرة لم يأمر ظاهر الشرع بإصلاح الباطن لهما،لا تعملوا بالفرق والتفريق بين الظاهر والباطن فان ذلك زيغ وبدعة".
وعنه أيضا: "لا تهملوا حقوق العلم والفقهاء، أي سادة تقولون قال الحارثقال أبو يزيد ما هذا الحال قبل هذه الكلمات، قولوا قال الشافعي قال مالكقال أحمد قال نعمان.
قال الحارث وأبو يزيد لا ينقص ولا يزيد، قال الشافعي وقال مالك أنجح الطرق وأقرب المسالك".
وقال السيد الرفاعي أيضا: "شيدوا دعائم الشريعة بالعلم والعمل، وبعدهاارفعوا الهمة للغوامض من أحكام العلم وأحكام العمل. أشياخ الطريقة وفرسانميادين الحقيقة يقولون لكم خذوا بأذيال العلماء تفقهوا".
وكتب الشيخ الغجدواني (وهو واضع أصول الطريقة النقشبندية) إلى أحدتلاميذه: "يا بني أوصيك بتحصيل العلم والأدب وتقوى الله تعالى، واتبعءاثار السلف الصالح ولازم السنة والجماعة، واقرأ الفقه والحديث والتفسير،واجتنب الصوفية الجاهلين –أي مدعي التصوف، ولازم صلاة الجماعة، واياكوالشهرة فانّها ءافة وكن واحدا من الناس".
ويقول الصالح أحمد بن الحواري: "كل عمل بغير اتباع السنة باطل".
ويقول الإمام الجنيد رحمه الله: "ما يصل أحد الى الله الا بالله والسبيل الى الوصول متابعة المصطفى".
ويقول السيد الرفاعي الكبير "الصوفي تدل ءادابه على مقامه، زنوا أقواله وأفعاله وأخلاقه بميزان الشرع".
وقال الإمام علي: "لا يعرف الحق بالرجال وانما الرجال يعرفون بالحق".
وقال الامام أحمد الرفاعي: "لا تعجب للمرء طار في الهواء أو سار على وجه الماء، ولكن اعرض كلامه على الشرع، فان وافقه فخذ به وإلا اضرب به عُرض الحائط".
فهذا الكلام الذي سبق يدل على أن من ادعى من جهلة المتصوفة أن الأولياء والخواص لا حاجة لهم إلى علم الدين ولا إلى النصوص الشرعية،بل يكفيهم الإلهام والفيوضات كلام مردود، قائله ليس صوفيا ولا يعرف طريقهم، لأن كلامه يخالف نصوص السادة الصوفية.
وقد ذكر الشيخ الفقيه يوسف الأردبيلي في كتابه "الأنوار لأعمال الأبرار" ما نصّه: "ولو قال: الله يلهمني ما أحتاج اليه من أمر الدين فلا أحتاج الىالعلم والعلماء فمبتدع كذاب يلعب به الشيطان" اهـ.
أما ما ذهب اليه بعض مدعي التصوف الذين رفعوا للجهل لواء، ولبسوا للشيطانرداء، في معرض تحريضهم الناس على ترك تعلم علم الدين، وإيهام أتباعهم أنالوصول إلى الولاية والمقامات العالية يحصل لهم من غير تعلّم علم الدينالذي أوجبه الله تعالى على المكلفين مستدلين بزعمهم بقوله تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [سورة البقرة]. يقال لهم: انّ هذه الآية ليس معناها ما ذهبتم اليه لأن قوله تعالى: واتّقوا الله (282)دلالة على لزوم أداء الواجب، لأن التقوى لا تحصل بترك الواجب، وطلب الدين الضروري واجب، فكيف يكون من ترك هذا العلم الضروري تقيّا، ألم يقل النبيّ صلى الله عليه وسلم ]في بيان فرضية علم الدين: طلب العلم فريضة على كل مسلم رواه البيهقي.
والمعلوم أن التقي هو الذي أدى جميع ما افترضه الله عليه واجتنب جميع ماحرّمه الله عليه، فمن ترك هذا العلم الضروري الذي فرضه الله على المكلف لايكون مندرجا تحت قوله تعالى: ويعلمكم الله (282)لأن الوارد في الآية :وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ (282)معناه اتقوا الله بأداء الواجبات واجتناب المحرمات،وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ (282)يعني بعد أن تتموا ما أورده الله في أول الآية من أمر التقوى يفيض اللهعلى قلوب بعض الصالحين منكم علما لدنيّا أي علما غير مكتسب لا يؤخذ منالكتب ولا من ألسنة المشايخ، انّما هو إفاضة من الله عز وجل على قلب منشاء من عباده الأتقياء، وهذا العلم اللدني لا يكون من أبواب علوم العقيدةالضرورية ولا من علوم الطهارة والصلاة والصيام الضرورية للمكلف، والعلماللدني كما قال العلماء هو كعلم تفسير المنام.
وأما ما ذهب اليه هؤلاء الجهّال واستساغوه وعلموه لأتباعهم فهو مخالف لتعاليم الاسلام، ومخالف لما نصّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ]وهو أعلم الناس بالقرءان وتفسيره وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم ]: مَن عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم رواه أبو نعيم في الحلية.
والقاعدة أنّه لا يصير العبد وليا وهو جاهل، فقد قال الامام الشافعي: "ما اتخذ الله وليا جاهلا".
واعلم أنّ مشايخ القوم هم علماء عاملون فقهاء مشهورون نذكر بعض علمائهم لا على سبيل الحصر انما على سبيل المثال منهم:
الحافظ الأصبهاني، والمحدث والمؤرخ الروذباري، والغزالي، والقاضي بكار بنقتيبة، والقاضي رويم البغدادي، وأبو القاسم القشيري، والفقيه ابن خفيفالشيرازي، والحافظ أبو الفضل المقدسي، والعز بن عبد السلام المالكي،والحافظ ابن الصلاح، والحافظ النووي، والإمام تقي الدين السبكي، والفقيهتاج الدين السبكي، والمفسر النحوي أبو حيان الأندلسي، والحافظ قطب الدين القسطلاني، والحافظ السيوطي، وأبو الحسين محمد النوري، وأبو سعيد أحمد بنعيسى الخراز، وأبو العباس أحمد ابن عطاء البغدادي، وأبو عبد الله عمرو بنعثمان المكي، وأبو يعقوب يوسف بن حمدان السوسي ,و ابو يعقوب اسحاق بن محمدبن أيوب النهرجوري، وأبو محمد الحسن بن محمد الجريري، وأبو عبد الله محمدبن علي الكناني، وأبو اسحاق ابراهيم بن أحمد الخواص، وأبو بكر محمد بنموسى الواسطي، وأبو بكر الشبلي وغيرهم.
فلا يغرّنك أيها المحب ما تعرض له بعض الأسلاف وتشبث به من أولي الجهل بعضالأخلاف، من الكلام على طرق الصوفية ورجالها، أرباب أشرف المزايا السنية،فحطوا على التصوف وساداته كالحسن البصري والجنيد والسري والكرخي والامامالرفاعي والجيلاني والدسوقي والبدوي وأبو الحسن الشاذليوأمثالهم فانهم سادة الطريق، واعلم أنه لم يثبت عنهم مخالفة السنة، وأن مايُنقل عنهم مما يخاف الشرع فهو محض افتراء، فالطعن فيهم غير محقق، وكيفيكون وقد شهروا بخلافه، فإن عاداتهم ومجالسهم وأورادهم ومشاربهم الشريفة واضحة ظاهرة، والحق يُعرف به أهله.