الصحابى الجليل أبى أيوب الانصارى
سيدنا وحبيبنا المصطفى المعصوم من هو قدوة للاقتدا اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .. رسـول الله قال (رحمك الله يا أبا أيوب رحمك الله يا أبا أيوب رحمك الله يا أبا أيوب) أجمعين.
وهكذا، لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه، وحمل سيفه، وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق..!! وفى هذه المعركة أصيب. وذهب قائد جيشه ليعوده، وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله.. فسأله القائد، وكان يزيد بن معاوية: ما حاجتك أبا أيوب؟ ترى، هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟ كان الرسول يدخل المدينة مختتما بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة فى دار الهجرة التى ادّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها فى دنيا الناس.. وسار الرسول وسط الجموع التى اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوقا... ممتطيا ظهر ناقته التى تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول الله .. وبلغ الموكب دور بنى سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين: يا رسول الله، ياحبيب الله أقم عندنا، فلدينا العدد والعدة والمنعة. ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة (خلوا سبيلها فانها مأمورة) يبلغ الموكب دور بنى بياضة، فحى بنى ساعدة، فحى بنى الحارث بن الخزرج، فحى عدى بن النجار. وكل بنى قبيل من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين أن يسعدهم النبى بالنزول فى دورهم. والنبى يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة (خلوا سبيلها فانها مأمورة) لقد ترك النبى للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لهذا المنزل خطره وجلاله. ففوق أرضه سينهض المسجد الذى تنطلق منه الى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره. والى جواره ستقوم حجرة أو حجرات من طين وطوب. ليس بها من متاع الدنيا سوى كفاف، أو أطياف كفاف!! سيسكنها معلم، ورسول جاء لينفخ الحياة فى روحها الهامد. وليمنح كل شرفها وسلامها للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. للذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم. وللذين أخلصوا دينهم لله. للذين يصلحون فى الأرض ولا يفسدون. أجل كان الرسول ممعنا فى ترك هــــذا الاختيـار للقـدر الذى يقـود خطاه. من اجـل هـذا، ترك هو أيضا زمـام ناقته وأرســــــــله، فلا هو يثنى به عنقهـا ولا يستوقف خطاها. وتوجه الى الله بقلبه، وابتهل اليه بلسانه (اللهم خر لى، واختر لى).. وأمام دار بنى مالك بن النجار بركت الناقة. ثم نهضت وطوّفت بالمكان، ثم عادت الى مبركها الأول، وألأقت جرانها. واستقرت فى مكانها ونزل الرسول للدخول. وتبعه رسول الله يخف به اليمن والبركة. أتدرون من كان هذا السعيد الموعود الذى بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية؟ انه بطل حديثنا هذا. أبو أيوب الأنصارى خالد بن زيد، حفيد مالك بن النجار. لم يكن هذا أول لقاء لأبى أيوب مع رسول الله. فمن قبل، وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول فى مكة تلك البيعة المباركة المعروفة بـبيعة العقبة الثانية. كان أبو أيوب الأنصارى بين السبعين مؤمنا الذين شدّوا أيمانهم على يمين الرسول مبايعين، مناصرين. والآن رسول الله يشـــرف المدينة، ويتخذها عاصمة لدين الله، فان الحظوظ الوافية لأبى أيوب جعلت من داره أول دار يســـــــــــكنها المهاجر العظيم، والرسول الكريم. ولقد آثر الرسول أن ينزل فى دورها الأول. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد الى غرفته فى الدور العلوى حتى أخذته الرجفة، ولم يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما، وفى مكان أعلى من المكان الذى يقوم فيه رسول الله وينام وراح يلح على النبى ويرجوه ان ينتقل الى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبى لرجائه ولسوف يمكث النبى بها حتى يتمّ المسجد، وبناء حجرة له بجواره ومنذ بدأت قريش تتنمّر للاسلام وتشن اغاراتها على دار الهجرة بالمدينة، وتؤلب القبائل، وتجيش الجيوش لتطفئ نور الله منذ تلك البداية، واحترف أبو أيوب صناعة الجهاد فى سبيل الله ففى بدر، وأحد والخندق، وفى كل المشاهد والمغازى، كان البطل هناك بائعا نفسه وماله لله رب العالمين.
وبعد وفاة الرسول، لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها، مهما يكن بعد الشقة، وفداحة المشقة..! وكان شعاره الذى يردده دائما، فى ليله ونهاره.. فى جهره واسراره.. قول الله تعالى ﴿انفروا خفافا وثقالا﴾، تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحدا من شباب المسلمين، ولم يقتنع أبو أيوب بامارته. مرة واحدة لا غير مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه، ويقول: ما علىّ من استعمل علىّ. ثم لم يفته بعد ذلك قتال كان حسبه أن يعيش جنديا فى جيش الاسلام، يقاتل تحت رايته، ويذود عن حرمته، ولما وقع الخلاف بين على ومعاوية، وقف مع الإمام على فى غير تردد، لأنه الامام الذى أعطى بيعة المسلمين. ولما استشهد وانتهت الخلافة لمعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة، الصامدة التقية لا يرجو من الدنيا سوى أن يظل له مكان فوق أرض الوغى، وبين صفوف المجاهدين وهكذا، لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه، وحمل سيفه، وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق وفى هذه المعركة أصيب وذهب قائد جيشه ليعوده، وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله فسأله القائد، وكان يزيد بن معاوية: ما حاجتك أبا أيوب؟ ترى، هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب؟ كلا.. فقد كانت حاجته وهو يجود بروحه شيئا يعجز ويعيى كل تصوّر، وكل تخيّل لبنى الانسان لقد طلب من يزيد، اذا هو مات أن يحمل جثمانه فوق فرسه، ويمضى به الى أبعد مسافة ممكنة فى أرض العدو، وهنالك يدفنه، ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق، حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره، فيدرك آنئذ أنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز أتحسبون هذا شعرا؟ لا.. ولا هو بخيال، بل واقع، وحق شهدته الدنيا ذات يوم، ووقفت تحدق بعينيها، وبأذنيها، لا تكاد تصدق ما تسمع وترى ولقد أنجز يزيد وصيّة أبى أيوب. وفى قلب القسطنطينية، وهى اليوم اسطانبول، ثوى جثمان رجل عظيم، جدّ عظيم وحتى قبل أن يغمر الاسلام تلك البقاع، كان أهل القسطنطينية من الروم، ينظرون الى أبى أيوب فى قبره نظرتهم الى قدّيس وانك لتعجب اذ ترى جميع المؤرخين الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون: وكان الروم يتعاهدون قبره، ويزورونه. ويستسقون به اذا قحطوا، وعلى الرغم من المعارك التى انتظمت حياة أبى أيوب، والتى لم تكن تمهله ليضع سيفه ويستريح، على الرغم من ذلك، فان حياته كانت هادئة، نديّة كنسيم الفجر. ذلك انه سمع من الرسول حديثا فوعاه (واذا صليت فصل صلاة مودّع، ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه، والزم اليأس مما فى أيدى الناس) وهكذا لم يخض فى لسانه فتنة ولم تهف نفسه الى مطمع وقضى حياته فى أشواق عابد، وعزوف مودّع، فلما جاء أجله، لم يكن له فى طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية لتى تشبه حياته فى بطولتها وعظمتها "اذهبوا بجثمانى بعيدا بعيدا فى ارض الروم ثم ادفنونى هناك" كان يؤمن بالنصر، وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع، وقد أخذت مكانها بين واحات الاسلام، ودخلت مجال نوره وضيائه، ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك، فى عاصمة تلك البلاد، حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة، وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب، أن يتابع جيوش الاسلام فى زحفها، فيسمع خفق أعلامها، وصهيل خيلها، ووقع أقدامها، وصصلة سيوفها وانه اليوم لثاو هناك لا يسمع صلصلة السيوف، ولا صهيل الخيول، قد قضى الأمر، واستوت على الجودى من أمد بعيد، لكنه يسمع كل يوم من صبحه الى مسائه، روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة فى الأفق، أن: الله أكبر الله أكبر وتجيب روحه المغتبطة فى دار خلدها، وسنا مجدها: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله. لاشك القول فيهم راحة فأرغب إليهم. اللهم بجاه الحبيب المحبوب المصطفى المعصوم أجعل قولنا اجمعين دائما أبدا فى حب الصحابة وآل البيت الاكرمين ومشياخنا وسادتنا الاكرمين وأجعل دائما الرغبة فى حبهم أجمعين ولجميع أخواننا بجاه مولانا الشيخ اللهم أمين أمين أمين.
الزهراء ياسين
---------
رابط الموضوع
http://almagalla.info/2012/mar7.htm
========
عمرو بن عبيد والخليفة المنصور
قال إسحاق بن المفضل الهاشمى: إنى لعلى باب الخليفه المنصور يوماً، وإلى جانبى عمارة بن حمزة، إذ طلع عمرو بن عبيد بن حمزة على حمار، فنزل عن حماره ثم دفع البساط برجله، ووجلس دونه، فالتفت إلى عمارة وقال: لاتزال بصرتكم ترمينا منها بأحمق، فما أتم كلامه حتى خرج الربيع الحاجب وهو يقول: أبو عثمان عمرو بن عبيد، قال فوا ألله ما دل على نفسه حتى أرشد إليه، فاتكأ يده ثم قال له: أجب أمير المؤمنين جعلت فداك. فمر متوكئ عليه، فالتفت إلى عمارة. فقلت له إن الرجل الذى استحمقته قد دخل وتركنا. فقال كثيراً ما يكون ذلك. فأطال البث ثم خرج الربيع وهو متوكئ عليه. والربيع يقول: ياغلام حمار أبى عثمان، فا برح حتى أتى بالحمار، فأقره على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه واستودعه الله.
فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل ما لو فعلتموه بولى عهدكم لقضيتم حقه!
قال: فما غاب عنكم مما فعل به أكثر وأعجب! قال عمارة: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا.
فقال الربيع: ما هو إلا أن سمع الخليفة بمكانه فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودا، ثم انتقل إليه ومعه المهدى ولى العهد، ثم أذن له، فلما دخل عليه سلم بالخلافة فرد عليه، وما زال يدنيه حتى اتكأه فخذه وتحفى به ثم سأله عن نفسه وعن عياله يسمهم رجلا رجلا وامرأة امرأة ثم قال: يا أبا عثمان عظنا، فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر: ومر فيها إلى آخرها وقال: إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد قال: فبكى المنصور بكاء شديداً كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة ثم قال: زدنى. فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منها ببعضها، وأعلم أن هذا الأمر الذى صار إليك إنما كان فى يد من قبلك ثم أفضى إليك. وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك، وإنى أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة!! قال: فبكى أشد من بكائه الأول وكان فى المجلس سليمان بن مجاهد فقال: رفقاً بأمير المؤمنين فقد أتعبته؟ فقال له عمرو بن عبيد: بمثلك ضاع الأمر، وانتشر الفساد، لا أبا لك وماذا على أمير المؤمنين ان بكى من خشية الله: ثم التفت إلى أمير المؤمنين وقال: إن هؤولاء اتخذوك سلماً لشهواتهم، فاتق الله فانك ميت وحدك، ومحاسب وحدك، ومبعوث وحدك، ولن يغنى عنك هولاء من ربك شيئاً. فقال له المنصور: أعنى بأصحابك أستغنى عنهم، فقال: أظهر الحق يتبعك أهله. فقال له: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على زمانك.
فقال: لا حاجة لى فيها, فقال المنصور والله لتأخذنها. فقال عمرو والله لا آخذنها. فقال المهدى يحلف أمير المؤمنين وتحلف؟ فأقبل عمرو على المنصور وقال: من هذا الفتى؟ فقال هذا ابنى محمد، وهو المهدى ولى العهد. فقال: والله سميته إسماً ما استحقه بعمل، ولم تعلمه الأدب. ثم قال المنصور: يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال نعم. يرفع هذا الطيلسان عنى – وكان النصور طرح عليه طيلسان حين دخل عليه.
ثم قال له المنصور: لا تدع زيارتنا يا أبا عثمان. فقال نعم ولكن لا تعطينى حتى أسألك ولا تدعنى حتى آتيك. فقال المنصور إذن لا تأتينا أبداً ولا تطلب شيئا. ثم ودع المنصور ونهض. فلما ولى أتبعه بصره وقال:
كلكم طالب صيد كلكم يمشى رويد غير عمرو بن عبيد
التلميذ
---------
رابط الموضوع
http://almagalla.info/2012/mar7.htm
========
التوكل
يقول السرى السقطى: التَّوَكُّلُ الانْخِلاعُ من الْحَول و القُوَّة، فالتوكّل من أعلى مقامات اليقين وأشرف أحوال المقرّبين قال الله الحق المبين ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران 159، فجعل المتوكل حبيبه وألقى عليه محبّته، وقال الله عزّ وجلّ ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ إبراهيم 12، رفع درجة المتوكلين إليه وجعل مزيدهم منه، وقال جلت قدرته ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ الطلاق 3، أى كافيه مما سواه فمن كان الله تعالى كافيه فهو شافيه ومعافيه، ويروى عن بعض الحكماء أنه قال أحمد الله إليكم حمد من لا يعرف إحساناً إلا منه ولا يعرف معبوداً غيره وأسأله توكل المنقطعين بصدق الانقطاع إليه.
إن الله تعالى خص أهل ولايته بغبطة الانقطاع إليه ليعرفهم تواتر نعمه ودوام إحسانه وفضله فانصرفت هموم الدنيا من قلوبهم وعَظُم شُغل الآخرة فى صدورهم لما سكنها من هيبة ربهم فألزموا قلوبهم ذل العبودية وطرحوا أنفسهم فى محجة التوكل على الله.
واعلم ياأخى أنك لا تكون متوكلاً على الله إلا بقطع كل مؤمل دون الله وكيف لا تسخو نفسك بقطع كل علاقة من قلبك وتفرغ قلبك للإقبال على الله وصدق التوكل عليه والله حسْبُ من توكل عليه، والمتوكل الصادق فى توكله لا يجد قلبَه يخضعُ لمخلوق لأن قلبَه مملوء بالثقة بضمان الله، والمتوكل الصادق فى توكله يرى القليل من عطايا الله عظيم، والمتوكل يرى صغر قدر نفسه لمعرفته بعظيم قدر الله، فهو ساكن إلى روح اليقين وهى المنزلة التى يغبطه بها أهل الحرص على الدنيا، فمن سكن قلبُه إلى أنه ليس نعمة فى السماء والأرض إلا وهى لله ومن الله استراح قلبه من عذاب الحرص، أما سمعته تعالى يقول ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ فاطر 3، وقال ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الأعراف 54، فإذا ألزمت الثقة قلبَك فإنما أنت ناظر إلى الله، لأن المُلك لله دون خلقِه وبقدر تركك الثقة يعظم حرصك على الدنيا، فخالف حرصك على الدنيا بالقنوع بما قسم لك، فإنك تسرع فى عداوة الحرص على الدنيا، لأن الحرص لا يعطى ولا يمنع، والمتوكل على الله استغنى بالمعطى المانع عمن ليس بمانع ولا معط، فهو غنى بالله عمن سواه فقير الى الله، قد سكن قلبه عن الاضطراب، فليس لمخلوق فى قلبه خطر، فمن وثق بغير الله لا يغنيه، والمتوكل لزم التقوى فجعل الله له مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب، حيث يقول تعالى ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا﴾ الطلاق 3، فالمتوكل توكل على الله فى حاجاته كلها من أمور آخرته ودنياه، وقطع رجاءه ممن سواه، ولم ير نفسه موضعاً لاختيار نفسه، لأن الله حسبُه ومن كان كذلك فقد سكن إلى روح اليقين، وهذه المنزلة التى لا منزلة أرفع منها فى سكون القلب إلى الله والطمأنينة بموعود الله لأنه قد جعل الله حسبه من جميع خلقه ومن كان الله حسبه فلا يجد فقد شىء لأن الله قد ضمن له وهو بالغ أمره.
واعلم أنك والخلق جميعاً مضطرون إلى الله فى كل حال وفى كل حركة وكل سكون، لأنه الغنى وحده ومن وثق بغير الله فقد رأى أن ملكاً أكبر من ملك الله، ومن وثق بالله استغنى به، لأن الله حسبه وفى الله خلف من جميع الخلق، وليس فى أحد من الخلق خلف من الله لأن الله هو الغنى وحده، فإذا علمت أن الله حسب من توكل عليه فكيف لا تطلب الكفاية بالتوكل على الله عز وجل، ألست تعلم أن الرزاق قد قسم بين عباده معايشهم وقد فضّل بعضَهم على بعض فى الرزق، وقد فرغ مما قضى وقدر من ذلك، فكيف تعنى بعد علمك بطلب ما قد فرغ لك من مقداره، ألا تسمع إلى قول الله عز وجل ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدُيرٌ﴾ الأنعام 17، فكيف تطلب كشف الضر من غير الله أو تطلب المنفعة من عند غير الله، وكيف لا يكون الغالب على قلبك طلب كشف الضر وطلب النفع من عنده وحده إذا علمت أن ذلك كله إنما هو بيده وحده، وكيف تخاف فوت شىء من الخير يريده الله بك وإن لم يرده بك فمن يعطيك ذلك أو ينيلك إياه، والمتوكل على الله لا يلتفت إلى الدنيا لأنه لا يراها لنفسه خطراً ولا يراها ونفسه وجميع ما فيها إلا لله، ويستوى عنده ركوب البحر والمشى فى البر، والإنس والوحشية، والعمل والجلوس، لأن الله تعالى كاف من توكل عليه أوَلا تسمع لقوله تعالى ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ الزمر 36، فالمتوكل على الله اكتفى بعلمه بالله عن الاشتغال بغيره لأنه علم أن الذى يوصل إليه المنافع هو الله وحده لا شريك له، وأيضاً إذا سكن قلبك إلى الله لم تخف غيره لأن الله حسب من توكل عليه، ومن علامة المتوكل أنه يؤثر الصدق حيث يضره، على الكذب حيث ينفعه، لأنه لم يصح لمن توكل عليه أن يخاف غيره، وكذلك إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر لم يخشَ إلا الله لأن رجاؤه من الله أكثر من خوفه من توعد المخلوقين، لأن المتوكل على الله قد أخرج من قلبه كل مخوف ومحذور ومحزون دون الله، حتى اتصل خوفه ورجاؤه بالله.
واعلم أن المعاون إنما تحضر عند إخراج العالم من قلبك فتنحاش عند ذلك إلى مسالك العز والغنى بالله لأنك تعلم أنه لا مانع ولا معطى ولا ضار ولا نافع الا الله وحده، ولا ترغب عن الله بجهلك فتخضع لمن دونه عند تخويف الشيطان فيستولى عليك عند ذلك أوَلا تسمع قوله تعالى ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة 268، فما يضرك من مواعيد الشيطان مع ضمان الرحمن؟
واعلم أنك لا تكون متوكلاً على الله تعالى حتى تسلك منهاج المضى إليه على السكون والاطمئنانية إلى الله، وحتى تعبد الله راضياً بما صيّرك إليه لأنك لا تعرف غيره، فإذا صرت إلى هذه المنزلة غلبت على قلبك عظمة الله وجلاله.
واعلم ان الله سبحانه قد خص المتوكلين عليه بمنازل السلامة، وحجب عنهم كل ندامة فهم ينظرون إلى الله فيما يأملون، قد حجب قلوبهم عما سواه لما يرجون من إحسانه واستغنوا بذكره عن ذكر غيره.
واعلم أنك لا تكون متوكلاً حتى تصفو من كل ملك لنفسك مع ملك الدنيا، وحتى لا تثق إلا فى الله وحده لا شريك له وحتى ترى مؤنتك على الله وحده فلا يذهبن بك الطمع إلى غير الله، ألا ترى أن الذى طمعت فيما فى يديه، أليس هو فى ملك الله؟ وهل فى السماء حاجز يحجزك عن الله؟ فاعلم أنك لا تقدر أن تفرض رزقك كما لا تقدر أن تفرض الموت، أما سمعت الله تعالى يقول ﴿اللهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَىْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الروم 40، فاسكن ياأخى إلى موعود الله تعالى فى رزقه كما تسكن إلى إنك ميت، واقطع الاشتغال بذكر الاسباب من قلبك.
واعلم أن الله يرزقك لسبب وبغير سبب وكل سبب فهو ثابت لا تعلم متى يأتيك رزقك كما لا تعلم متى يأتيك الموت، ألا ترى أن الله وعدك أن يرزقك، وغيّب رزقك عنك بالقضاء، وله وقت ينزل فيه، فلو احتلت بكل حيلة أن يأتيك قبل وقته لم تقدر على ذلك حتى ينزل في وقته، أما سمعت الله عز وجل يقول ﴿وَفِى السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾، ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ الذاريات 23.
واعلم أن الواثق بالله نفى عن قلبه التهمة لله وإن كنت فى ظل سبب فلا يميلن قلبك إلى السبب وليكن قلبك مع الله عز وجل.
واعلم أن العبد لا ينفق إلا بإذن السيد، فاعقد قلبك لسيدك، لأنه إن أعطاك لم يقدر أهل الأرض أن يمنعوك، وإن منعك لم يقدر أهل الأرض أن يعطوك لأن سلطانه عظيم وبتوكلك عليه يكفيك، فالمتوكل ساكن القلب إلى المضمون، فمن قطع تعلق القلب بالأسباب، لم ير شيئاً إلا الله، لأن قدر الله جار على المتوكل وغيره، ألا تسمع إلى قوله تعالى ﴿وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ العنكبوت 60، وقد علم المتوكل علماً يقيناً وسكن قلبه إلى ذلك، أن ما قسم له وقدر لو كان فى مهب الريح لأدركه، وأن ما لم يقسم له ولم يقدّر، لو كان بين يديه، وجهد أهل السموات والارض أن يوصلوا إليه مثل ذرة أو خردلة منه، لم يقدروا على ذلك وقد قال ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾ الإسراء 31، وقال ﴿وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ المائدة 23، فلم يحق لهم إيماناً إلا بتوكلهم عليه، وأثبت لهم الإيمان به بتوكلهم عليه، وقالوا ﴿على الله توكلنا﴾ وقال ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ إبراهيم 12، فالتوكل محض الإيمان، ولا يكون الإيمان إلا بتوكل، والتوكل يزيد وينقص، كما أن الايمان يزيد وينقص، والناس يتفاضلون فى التوكل والايمان على قدر اليقين.
ربنا اجعلنا من المؤمنين المتوكلين عليك ﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ الممتحنة 4.
عبد الستار الفقى
---------
رابط الموضوع
http://almagalla.info/2012/mar10.htm
========
الحَلة لاتزال رأسى
خرجت من عنده، وأنا فى حالة غير عادية، ماشى فى الطريق، وماسك دماغى، وكأنى ماسك حلة فيها مية وخايف المية تقع، انت متخيل معايا اللى حصل لدماغى بعد الكلام اللى سمعته، كل ماأفكر فيه دماغى تسخن، والمية اللى جوه الحلة تغلى، وكل ماتغلى مااشوفش قدامى، وقال فى الآخر يقولى ... عجبك ... عجبك ... مش عجبك ... انت حر ... حر ... فى إيه؟ انت تقولى إن السكة دى هى الوحيدة الى صح، ومفيش غير كدا، وبعدين تقولى انت حر ... طيب إزاى؟ حد يقولى إزاى ... آآه ... المية بتغلى قوى، وخايف لتنقص ... أعمل إيه؟ أروح فين؟ وظللت أكلم نفسى بصوت منخفض مرة، ومرتفع مرة أخرى ... وفجأة ... لقيت إيد بتشدنى، وصوت بيقول بطلوا الهباب اللى بتتعاطوه ده، كنت حتقع فى البلاعة المفتوحة، فانتبهت فوجدت أمامى بلاعة مفتوحة، فابتعدت بسرعة ... مش خوف على نفسى ولا حاجة، الموضوع كله إنى خايف على الحلة لتقع، وأحسست بالتعب مش عارف ليه ... ياترى من كتر المشى؟ أو من كتر التفكير؟ المهم لقيت حجر كبير، رحت قعدت عليه، وقلت لنفسى ياواد اهدأ كده، وفكر صح فى الكلام اللى قاله ده ... هو شريعة أو حقيقة؟ طيب إن كان شريعة أنفذه إزاى؟ هو شريعة أو حقيقة؟ أعمله إزاى؟ هم قالوا لنا إن الشريعة أعمال بنقوم بيها زى الصلاة، والصوم والزكاة والحج ... دى الأعمال اللى بيعملها المسلمين واتفقوا عليها، لكن الكلام اللى قاله معظم المسلمين لم يتفقوا عليه ... آه يبقى بيتكلم فى الحقيقة ... حقيقة إيه؟ دا احنا لسّه ماخلصناش شريعة زى مابيقول ... شريعة أو حقيقة ... حقيقة أو شريعة ياناس حد ينجدنى، وأحسست أن الحلة مش بتغلى وبس ... دى فارت، والمية اللى فيها بتنقص، فخفت على مخى ليستوى ويدوب فأسرعت إلى البيت، وطلبت منهم أن يعملوا دورق كركدية ساقع وظللت أصب واشرب، وكأنى واحد بيشرب خمرة علشان ينسى، المهم طلع النهار فأسرعت بارتداء ملابسى، وذهبت إليه وانا شايل الحلة، وبدون سلام أو تحية، دخلت فى الموضوع قائلاً: الكلام اللى انت قلته ده شريعة أو حقيقة؟ فقال: الكلام اللى أنا قلته حقيقة و... فقاطعته قائلاً: أيوه ياشيخ ريحت قلبى الله يريحك فقال: انت بتقاطعنى ليه ... أنا لسّه مكملتش كلامى، أنا عاوز اقولك إن الكلام اللى أنا قلته حقيقة وشريعة، فقلت بصوت عالى: ياخبر أبيض ... بتقول إيه؟ دى الحلة اتحرقت والمية اتبخرت، فرد قائلاً: حلة إيه؟ فقلت: فهمنى الكلام اللى انت قلته دلوقتى، فقال: حقيقة لأن الكلام ده حق، وشريعة لأننا لسّه بنتكلم فى الشريعة ... اهدأ بس واسمع ... مش الإسلام بنى على خمس، احنا بنتكلم فى القاعدة الأولى أو بالصح فى النصف الثانى منها، فقلت: قاعدة إيه؟ وصاروخ إيه؟ وضح لى الكلام ده، والا حنعمل زى النسوان وأصوت وألم عليك الناس ... فضحك وقال: أصبر يابنى ... أصبر، مش أول قاعدة من قواعد الإسلام قول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" مش هى دى كلمة التوحيد، إحنا بنتكلم فى النصف الثانى منها، النصف الظاهر أو النصف الإيمانى، اللى هو إيه ... محمد رسول الله ، ربنا ىسبحانه وتعالى بيحب سيدنا محمد حب ماله حدود ... حب مطلق ... فوق كل وصف أو نعت، إيه الدليل على كده؟ أقولك ... لما ربنا سبحانه وتعالى أمر سيدنا آدم بالهبوط إلى الأرض، سيدنا آدم ظل يبكى ويتوسل إلى الله تعالى، بيتوسل بإيه؟ بيقول: يارب بحق محمد اغفر لى، وظل يكرر هذا الدعاء، ربنا سبحانه وتعالى أوحى إليه ياآدم وكيف عرفت محمد؟ قال: يارب عندما خلقتنى ورفعت رأسى رأيت مكتوب على العرش "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولا أظن أنك تضيف اسم إلى اسمك إلا إذا كان حبيبك، فأوحى إليه، ولولاه ماخلقتك، ثم غفر له ... الكلام اللى أنا قلته دلوقتى من حديث موجود بنصه فى الصحيح فى ... وسَكَت لفترة ليتذكر فقلت: فى البخارى ... فى مسلم، فنظر إلى وقال: ياابنى هى الأحاديث النبوية الشريفة مش موجودة غير فى البخارى ومسلم؟!! ياعم فيه كتب تانية جامعة لأحاديث سيدنا رسول الله آه ... على ماأذكر حتلاقى الحديث فى الترمذى، وسمعت رواية أخرى لهذا الحديث إن سيدنا آدم وجد قول أو كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" مكتوبة فى الجنة، المهم اجتمعت الرواية على ذلك المضمون، وهو فضل سيدنا محمد رسول الله على جميع الخلق بما فيهم سيدنا آدم فقاطعته قائلاً: استنى ... استنى، فاكر قوى الحديث اللى انت قلته من فترة قريبة ... أيوه ... قال سيدنا رسول الله (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) ... واخد بالك قال ولد آدم ولم يقل آدم، أنا صحيح الحلة تعبانى لكن مركز معك برضّه ... فرد قائلاً: تماماً ... ابقى فكر فى الحديث ده ... ماشى؟ وكرر الكلمة بصوت مرتفع ... ماشى؟ فرفعت رأسى عن الورقة التى كنت أكتب فيها هذه الملحوظة، وقلت: ماشى ... ماشى، فقال: طيب ... نرجع لموضوعنا ... استنى ... استنى، الرد على كلامك موجود فى القرآن ظاهر يعنى شريعة مش محتاجين ننتظر لما نمتكلم عن الحقيقة، اسمع ياسيدى، ربنا سبحانه وتعالى أخذ عهد على النبياء والرسل إن سيدنا محمد لو جاء فى عصر أى نبى أو رسول منهم، فعلى النبى أو الرسول إتباعه ... الكلام ده فين؟ لما نروح لسورة آل عمران الآية رقم 81 بتقول ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ طبعاً الكلام ده مش للأنبياء والرسل فقط، لكن لكل نبى أو رسول مبعوث إلى أمة يجب أن يبلغ ذلك، فكان يقول لأمته بما معناه خلى بالكم إن جاءكم رسول من بعدى صفاته كذا وكذا آمنوا به على طول بدون تفكير أو تردد، وسيدنا على قال "لم يبعث اللهُ نبيّاً، آدم ومن بعده، إلا أخذ عليه العهد فى محمد، وأمره بأخذ العهد على قومه ليُؤْمنُنَّ به، ولئن بُعث وهم أحياءٌ لينْصُرُنَّه". معايا ... خدت بالك من الكلام ده، فقلت: الله ينور عليك ... أهو كدا الكلام و... وسَكتُ لحظة لأننى شعرت بشئ مختلف ... إيه اللى حصل؟ واكتشفت أنى قد أنزلت الحلة وارتحت من حملها، علشان كدا الكلام بقى له شكل تانى وسهل فقلت: كمل كلامك شبعنى، فقال ضاحكاً: انت جعان؟ فقلت: للكلام ده ... آه، تصدق ياشيخ لأول مرة أحس ان الكلام له طعم ... كمل ... كمل خلينى أشبع، فرد قائلاً: الكلام اللى جاى محتاج تركيز ... علشان كدا النقط اللى جايه حَبَسَطها قدر الإمكان، فقلت فى ثقة الفاهم: كمل ولا يهمك ... خلاص الواحد داخل بصدره ... كمل يا شيخ، فقال: ربنا سبحانه وتعالى لما قال لهم ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ بذلك وقبلتوه واخذتم على الكلام اللى قلته عهدى وميثاقى ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ يعنى قبلنا، انتهى الموضوع بعد كده ... خلص؟!! ... لأ ربنا قال لهم إيه؟ ﴿قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ الكلام الأخير كلام كبير قوى ... ليه؟ ... علشان فيه توكيد وتحذير شديد، إيه الدليل على كده؟ الدليل فى الآية اللى بعدها على طول اللى هى رقم كام، فقلت: حتكون كام يعنى ... الأولى رقم 81 يبقى التانية 105! ... طبعاً 82، فقال: الآية بتقول ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ يعنى الكلام ده للأنبياء والرسل ... طبعاً لأ، الكلام ده للأمم اللى بُعثوا فيهم، فمن تولى منهم بعد الإخبار بهذا العهد ... ونظر إلىّ فوجد علامات عدم الفهم ظاهرة على وجهى، فقال: طيب ... حَبَسَط الكلام ده شوية ... شوف ياسيدى ... انت عارف إن الأنبياء والرسل معصومين يعنى عندهم عصمة من ربنا سبحانه وتعالى ... يعنى ربنا حافظهم من الزلل ... ماشى؟ ... الكلام اللى جاء فى الآية جه لمين؟ دا لكل أمة بعث فيها نبى أو رسول ... الأنبياء والرسل عملوا اللى عليهم دعوا الناس لتوحيد الله ... ثم أبلغ كل واحد منهم قومه باتباع الرسول الخاتم إن كان بعث فى عصرهم ... حلو الكلام لحد كده؟ ... الأمم دى فيهم ناس تمسكوا بكلام أنبيائهم ورسلهم ودول المؤمنين، وفى ناس رجعت فى كلامها دول اللى تولوا بعد ماسمعوا الكلام من أنبيائهم وأظهروا الموافقة ... دول الفاسقون اللى خرجوا عن الإيمان ... خرجوا راحوا فين؟ طبعاً كفروا، فقلت أساله: كفروا بالله؟ فقال: لأ ... الكفر ليس بالله ... إنما الكفر فى الحالات اللى زى دى، يبقى كفر بكلام نبى أو رسول قبل أو أثناء أو بعد، الكفر يعنى كَفْر الشئ ... يعنى فى اللغة تغطية وبالبلدى تخبيه عن الناس ... ده يسمى كفر أما الشرك فيقال فى حق كل من جعل لله شريك فيقال أشرك بالله ولا يقال كفر بالله، ونظر إلىّ، لقانى فى عالم تانى ... من الغباء وعدم الفهم فقال: أبَسَطها أكتر؟ فقلت بسرعة: ماتبسطهاش أكتر من كده، إيدك معايا، فقال: إيه مش قادر تقوم؟ فقلت: إيدك معايا شَيّلنى، فقال: أشَيّلك إيه؟ فقلت الحلة.
أحمد نور الدين عباس
---------
رابط الموضوع
http://almagalla.info/2012/mar9.htm
========
بسمته عند حالكة الغياهب
كلما اشتدت ظلمة الليل زاد أمل ظهور شعاع النور الذى يشق هذه الظلمة، ويبدد وحشة الليل البهيم .. فالنفس البشرية مجبولة على الإقبال نحو إيناس جمالية بزوغ النهار إذا تجلى ... بعد طول إيحاش جلالية الليل إذا يغشى .. فإذا استيقنْتَ من ذلك عرفت أنها مفطورةٌ على حبِّ النبى المصطفى الذى أودعت حبات نوره فى أعماق ظلمة كثافة طين البشرية فى بنى آدم .. حتى تشرفت بخطاب خالقها جلت قدرته حين قال: واعلموا أن فيكم رسول الله ... يبتسم لكم عند حالكة الغياهب بسمة هى مركب النجاة إذا أحدقت الأخطار فى بحار العالمين .. وما أشبه اليوم بالبارحة .. فكلما نظرت من حولك اليوم، ورأيت من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ما استعاذ منه النبى المصطفى الهادى الأمين، لأحسست بقوة مدى احتياجنا لبعض أخلاقه ونوره المبين .. هو هكذا فى سيرته .. تجده فى أحلك اللحظات نبراسا يضيء سبيل السير من كل الحوالك، فمن يلقى فى نار الفتنة إذا حضر فليس بهالك .. فكما أن الثنا يرهب الثناء على حضرته خشية مجانبة الصواب فإن الفتن لديه تنطفى والعنا ينجلى ويخزى الجحود لدى الباب .. ويظل الحبيب هو كما هو لا يتلون ولا ييأس من روح الله ولا يدعو على من آذاه بل يقول لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده .. وهكذا كان .. يسيء إليه المسيء، وهو الحليم فلا ينتقم لنفسه، بل يبادل الإساءة بالإحسان والصبر الجميل، ولكنه عندما يكون الأمر فى دين الله وتبليغ الأمانة تجده يعلم الأمة أنه لا تفريط فى حق من حقوق الله، وهو فى هذا كله آية الآيات فى الحكمة البالغة والموعظة الحسنة الفائقة والإخبار عما ينبغى أن يكون من الأمة شريعة وطريقة وحقيقة .. تلمح ذلك كثيرا فى ثنايا الأحاديث النبوية الشريفة .. رحمة نبوية تسرى فى أرجاء هذا الوجود كله مصداقا لقول الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
ذلك الذى تجرأ على النبى ، وموقفه منه ، وابتلاء الأمة بنسله:
عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ قال: أَتَى رَجُلٌ - أوضحت الرواية الثانية أنه ذو الخويصرة التميمى - رَسُولَ اللهِ بِالْجِعْرَانَةِ، مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ - أى عند انصرافه من حنين، وَفِى ثَوْبِ بِلاَلٍ فِضَّةٌ - أى يحملها سيدنا بلال للنبى ليفرِّقَها على المسلمين، وَرَسُولُ اللهِ يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِى النَّاسَ، فَقَالَ -أى ذو الخويصرة: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ (وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟! لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : دَعْنِى، يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ. فَقَالَ (مَعَاذَ اللهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّى أَقْتُلُ أَصْحَابِى، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ). المسند الجامع.
وفى رواية: عن الزهرى قال أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدرى قال: بينما نحن عند رسول الله وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بنى تميم، فقال: يا رسول الله اعدل. فقال (ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) فقال عمر: يا رسول الله ائذن لى فيه فأضرب عنقه. فقال (دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء -وهى كلها أجزاء السهم- قد سبق الفرث والدم -أى خرج من مرماه سابقا الدسم والدم- آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس ..) - رواه البخارى باب علامات النبوة فى الإسلام، وفى رواية مسلم: الزهرى عن أبى سلمة والضحاك الهمدانى عن أبى سعيد الخدرى، النسائى فى الكبرى ذكر ما خص به على من قتال المارقين، وزاد أحمد فى مسنده (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام).
وفى رواية: عن أنس بن مالك قال: كان فى عهد رسول الله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده فذكرناه لرسول الله باسمه فلم يعرفه ووصفناه بصفته فلم يعرفه؛ فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل قلنا: ها هو ذا قال: إنكم لتخبرونى عن رجل إن على وجهه سفعة من الشيطان. فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم فقال له رسول الله (نشدتك بالله هل قلت حين وقفت على المجلس: ما فى القوم أحد أفضل منى؟) قال: اللهم نعم. ثم دخل يصلى. فقال رسول الله (من يقتل الرجل؟) فقال أبو بكر: أنا. فدخل عليه فوجده قائما يصلى فقال: سبحان الله أقتل رجلا يصلى, وقد نهى رسول الله عن قتل المصلين فخرج. فقال رسول الله (ما فعلت؟) قال: كرهت أن أقتله وهو يصلى وقد نهيت عن قتل المصلين. قال عمر: أنا. فدخل فوجده واضعا وجهه، فقال عمر: أبو بكر أفضل منى، فخرج فقال رسول الله (مه؟) قال: وجدته واضعا وجهه فكرهت أن أقتله. فقال (من يقتل الرجل؟) فقال على: أنا. فقال (أنت إن أدركته). قال: فدخل عليه فوجده قد خرج فرجع إلى رسول الله فقال (مه) قال: ما وجدته. قال (لو قتل ما اختلف فى أمتى رجلان كان أولهم وآخرهم) قال موسى: سمعت محمد بن كعب يقول: هو الذى قتله على ذو الثدية ...
تعليقات فى شروح الحديث :
• قول: "اعدل" للنبى : علامة رعونة واستهانة بقدر النبى وهى إحدى سمات أهل التجرؤ وسوء الأدب المنذر يسوء الخاتمة والعياذ بالله، ولذلك رد عليه النبى ردا فى غاية الحكمة والبلاغة فقال (لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ..) والخطاب بفتح التاء لذى الخويصرة بعد كلمة (لقد) التى تفيد التحقيق من دلائل نبوته فكان نصيبه الخيبة والخسران لأجل سوء أدبه مع النبى ، والمعنى الرائق فى قوله (خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) .. أى أنه إذا بنيت عقيدتك على أساس إمكانية ألا يعدل رسول الله فى أى جزء من الزمن فنصيبك من الخيبة والخسارة محقق لا محالة.
• وصْف سيدنا عمر له بـ (المنافق) أمام النبى : فلم يعترض عليه النبى فى ذلك إلا أنه علَّق فوصفه بـ (الصاحب) حين قال (مَعَاذَ اللهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّى أَقْتُلُ أَصْحَابِي) وهذا من عظيم حكمته وحلمه وكرم أخلاقه ليظل الباب مفتوحا لمن أراد التوبة فيتحقق وصف الله له بأنه رحمة للعالمين .
• قوله : يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم: أى لا يعْبُر عظام تراقيهم -جمع ترقوة- فينتقل من مستوى الرأس وهو النطق باللسان إلى مستوى الفقه بالقلب .. قال الإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم: قَوْله (يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز حَنَاجِرهمْ) .. قَالَ الْقَاضِى: فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدهمَا: مَعْنَاهُ: لَا تَفْقَهُهُ قُلُوبهمْ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا تَلَوْا مِنْهُ، وَلَا لَهُمْ حَظّ سِوَى تِلَاوَة الْفَم وَالْحَنْجَرَة وَالْحَلْق إِذْ بِهِمَا تَقْطِيع الْحُرُوف، الثَّانِى: مَعْنَاهُ: لَا يَصْعَد لَهُمْ عَمَل وَلَا تِلَاوَة وَلَا يُتَقَبَّل.
• وفى رواية سيدنا أنس بن مالك (على وجهه سفعةٌ من الشيطان)، أخبر عن حال الرجل بمجرد النظر إلى وجهه دون سابق معرفة أو نزول وحى، وإنما هى البصيرة التى جعلها الله شرطا للدعوة إليه سبحانه وتعالى، فلما شقَّت على الكثيرين فى زماننا أهملوا ضرورتها فى أمر الدعوة بل وكفَّروا أهلها وعوَّقوهم عن أداء مهمتهم فى سبيل الدعوة إلى الله .. قال تعالى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف: 108.
• قول الراوى: فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلِّم. برغم أن فيهم رسول الله ، فدل ذلك على مرض فى القلب، فلو كان فى قلبه مثقال حبة من حبٍّ لسيدنا رسول الله لَلَاحَت أماراتها عند اللقاء ... حالةٌ لا تخفى على أهل الحب عاليه وسافله .. إلا أنه الكبر المانع من دخول روضة رسول الله فى الدنيا قبل الآخرة.
• قول رسول الله (نشدتك بالله هل قلت حين وقفت على المجلس: ما فى القوم أحدٌ أفضل منى؟) قال: اللهم نعم. ثم دخل يصلى: دليل آخر ومستند لمن قال بالفراسة والإلهام والتنوير والكشف والفتح وهى كلها مراتب فى البصيرة التى هى ناظر القلب كالبصر الذى هو ناظر العين، ثم لا تنس مقام التمكين عند الداعى إلى الله يظهر واضحا جليا فى جواب المنافق بالقول الصادق رغم أنه غير صادق، قوة وتمكينا وتأييدا من الله لحبيبه لتظهر دلائل نبوته لأصحابه فيزيدون حبا واعتقادا فى نبيهم ، تماما مثل ما كان من أبى لهب حين نزلت السورة فى حقه فلم يمكنه الله من تكذيب النبى بأن يعلن إسلامه ولو بالباطل، وهو من باب الطمس والطبع على قلوب المنافقين والمشركين وأعداء الدين، وصدق الله إذ يقول ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ المرسلات: 36. ثم انظر إلى حال هذا المنافق كيف يرى نفسه فوق الجميع بما فيهم رسول الله ، فهل يكون لأمثاله نصيب فى الجنة التى لا يدخلها من كان فى قلبه مثقال حبة من كبر ؟!!
• قول النبى (من يقتل الرجل؟) وتكرار الطلب مع سيدنا عمر وسيدنا على فيه أدلة على أدب الصحابة مع هدْى نبيهم ، ومع بعضهم بعضا فذلكم سيدنا عمر يقول: أبو بكر أفضل منى فيهتدى بهديه، رغم ما يمكن أن يفهم من تكرار طلب سيدنا رسول الله قتل الرجل على أى حالة، وما يفهم من أن صلاته ليست بصلاة فى أصلها وإنما هى تظاهر ونفاق، ثم انظر ما خاطب به سيدنا عليا قائلا (أنت إن أدركته) وما فيه أيضا من بصيرة نافذة تدل على إخبار بالغيب، ثم تركيب الكلام وصياغته للدلالة على الشك -لا الجزم- أدبا مع الله والتزاما بآداب العبودية والخفاء والتواضع مع عباد الله والنزول إلى رتبتهم فلا يكون الأمر ترهيب صيد بصائد.
والكلام فى النبى وأخلاقه العظمى وتربيته وحاله ومقاله وحله وترحاله بحار هدْى وهُدًى، تبقى أبد الدهر معينا لا ينضب، ويبقى غواصها مكابا لا ينصب ...
د. إبراهيم الدسوقى
---------
رابط الموضوع
http://almagalla.info/2012/mar12.htm
========
يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:
أليس الحالف بغير الله مشرك؟
أليس الحالف بغير الله مشرك أو كافر؟ ألم تستمع إلى الحديث الذى رواه الحاكم وغيره أن النبى قال (من حلف بغير الله فقد أشرك) وفى رواية (فقد كفر أو أشرك)؟
ونقول وبالله التوفيق والهداية لمن أراد أن يهتدى: أخى المسلم إعلم هداك الله عندما تجد نصَّين متعارضين فى كتاب الله أو السنّة النبوية فاعلم أنه لا تعارض ولكن إما نسخ لآية أونسخ لحديث وإما نص من الاثنين يحتاج إلى تأويل وأنت لا تدرى ومثال ذلك هذا الحديث الماثل أمامنا.
فقد ورد عن العلماء المحققين فى هذا الخبر أن الحلف بالنبى والولى والكعبة إذا لم يقصد الحالف بهما التعظيم كتعظيم الله عز وجل فلا كراهة فى ذلك وقد قال بهذا راوى الأحاديث المعروف البيهقى والنووى أيضاً وإن شئت قرأت تفسير الألوسى فى قول الله تعالى ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ الآية 1 من سورة النساء الجزء الرابع صفحة 183، حيث يقول: أسألك بالله تعالى وبالله سبحانه وبالرحم كما أخرج ذلك غير واحد عن مجاهد وهو إختيار الفارسى وعلى بن عيسى. بمعنى أستحلفك بالله وبالأرحام.
ويقول ابن عجيبة رضه ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ أى: واتقوا الأرحام فلا تقطعوها، فمن قطعها قطعه الله، ومن وصلها وصله الله، كما فى الحديث. أو تساءلون به وبالأرحام، فيقول بعضكم لبعض: أسألك بالرحم التى بينى وبينك، أو بالقرابة التى بينى وبينك.
ويقول ابن عبد السلام فى تفسيره: ﴿تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ كقوله: أسألك بالله وبالرحم، أو والأرحام صلوها ولا تقطعوها.
ويقول الطبرى : وأما قوله ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: واتقوا الله الذى إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول: أسألك به وبالرّحِم، وذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾، يقول: اتقوا الله الذى تعاطفون به والأرحام. يقول: الرجل يسأل بالله وبالرَّحم.
ويقول الإمام ابن كثير ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾ أى: واتقوا الله بطاعتكم إياه، قال إبراهيم ومجاهد والحسن ﴿الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ أى: كما يقال: أسألك بالله وبالرَّحِم.
الكثير من المفسرون فسروها بهذا الشكل فأين نحن من السلف الصالح ولما التشدد وتكفير الناس.
فقد ورد فى كتاب صحيح البخارى باب 41 "السمر مع الضيف" جزء 3 صفحه 20، وفى باب 5 "علامات النبوة" جزء 12 صفحة 328 وفى كتاب الجمع بين الصحيحين 87 فى المتفق عليه صفحة 265 وذلك عندما أكلا ضيفا أبى بكر ولم ينقص الطعام بل زاد ثلاثة أضعاف فقال لامرأته: يا أخت بنى فراس ماهذا؟ قالت: لا وقرة عينى لهى الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات. فقولها "وقرة عينى" لو كان فيه كفر أو شرك أو كراهة لما سكت سيدنا أبو بكر خليفة رسول الله .
وقد ورد فى كتاب صحيح مسلم باب 2 بيان الصلوات جزء 40 عندما جاء رجل إلى الرسول من أهل نجد فسأله عن الفرائض فى الصلاة والصيام والزكاة فأخبره فقال الرجل: والله لا أزيد ولا أنقص فقال رسول الله (أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق) فانظر قول المصطفى أفلح وأبيه أى وحياة أبيه، فإذا كان الحلف على سبيل التأكيد أو الاستعطاف فلا كراهة فيه، وأما فقه المذاهب الأربعة فملخصه:
عند الحنفيه: قالوا يكره الحلف بغير الله وعامتهم قالوا لا وبه أفتوا لاسيما فى زماننا هذا على سبيل التأكيد والوثيقة كقولهم بأبيك ولعمرى ونحو ذلك مع العلم بأن لفظ الكراهة اصطلاح بمعنى أنه لا يعاقب عليه فاعله والترك له أولى. وفى كتب الحنفية أن ماحصل عليه التعارف بين الناس فى الحلف به كالنبى والأباء جائز وإلا كره.
وأما عند الشافعيه: فأغلب أقوالهم الكراهة أى كراهة تنزيه لا يعاقب على فعلها والترك لها أولى.
وأما عند المال