مجاهدة النفس
قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال الإمام القشيرى رضي الله عنه : الذين زَيَّنُوا ظواهرَهم بالمجاهدات حَسُنَتْ سرائرُهم بالمشاهدات، الذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف أوصلنا إلى سرائرهم اللطائف، الذين قاسوا فينا التعبَ من حيث الصلوات جازيناهم بالطرب من حيث المواصلات، ويقال الجهاد فيه: أولاً بترك المحرَّمات، ثم بترك الشُّبُهات، ثم بترك الفضلات، ثم بقطع العلاقات، والتنقِّى من الشواغل فى جميع الأوقات، ويقال بحفظ الحواسُ لله وبِعَدُ الأنفاس مع الله.
وقل سيدى ابن عجيبة رضي الله عنه: المجاهدة على قدرها تكون المشاهدة، فمن لا مجاهدة له لا مشاهدة له، وبالمجاهدة تميزت الخصوص من العموم، وبها تحقق سير السائرين، فالعموم وقفوا مع موافقة حظوظهم، من الجاه والغنى وغيره والخصوص خالفوا نفوسهم ورفضوا حظوظهم، وخرقوا عوائدهم، فَخُرِقَتْ لهم العوائد، وانكشفت عنهم الحجب، وشاهدوا المحبوب، فجاهدوا أولاً فى ترك الدنيا، وتحملوا مرارة الفقر، حتى تحققوا بمقام التوكل، ثم جاهدوا فى ترك الجاه والرئاسة، فتحققوا بالخمول، وهو أساس الإخلاص، ثم جاهدوا فى مخالفة النفس، فَحَمَّلوها كل ما يثقل عليها، وأخرجوها من كل ما تهواه ويخف عليها، وارتكبوا فى ذلك أهوالاً وأحوالاً صِعَاباً، حتى ماتت نفوسهم مَوْتَاتٍ، فتحقق بذلك حياة أرواحهم، وأشرفت على البحر الزاخر، بحر التوحيد الخاص، فغابت ظلال الأكوان حين أشرقت شمس العيان، ففنى من لم يكن، وبقى من لم يزل، فدخلوا جنة المعارف، ولم يشتاقوا قط إلى جنة الزخارف، لأنها منطوية فيها، ولا بد من صحبة شيخ كامل، قد سلك هذه المسالك، يلقيه زمام نفسه، حتى يوصله إلى ربه، وإلا أتعب نفسه بلا فائدة.
وقوله تعالى ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ تهوينٌ وتسهيلٌ على السائرين أَمْرَ نفوسِهِمْ ومجاهدَتَها، إذا علموا أن الله معهم، هان عليهم كل صعب، وقَرُبَ كل بعيد. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
فنجد من شروط المجاهدة أن تكون على يد شيخ كامل من شيوخ التربية، فلا يستطيع الإنسان أن يربى نفسه بنفسه أو كما يرى هو، بل لا بد من خبير عالم بالدروب وخبيئاتها، وفى ذلك قال سيدى الإمام فخرالدين رضي الله عنه :
إنى خبير فى دروب السالكين
وعن أبى سعيد الخدرى قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الجهاد فقال: كلمة عدل عند سلطان جائر، فدمعت عينا أبى سعيد.
وعن أبى على الدقاق يقول: من زيّن ظاهره بالمجاهدة حسّن الله سرائره بالمشاهدة، قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ وأعلم أن من لم يكن فى بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة.
وفى "التعرف لمذهب أهل التصوف" قالوا من المجاهدات: جمع الهمة وهو أن تكون الهموم كلها همّا واحدا وفى الحديث: من جعل الهموم همّا واحدا هَم المعاد كفاه الله سائر همومه ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله فى أى أوديتها هلك، وهذه حال المجاهدة والرياضة، والجمع الذى يعنيه أهله هو أن يصير ذلك حالا له وهو أن لا تتفرق همومه فيجمعها تكلف العبد بل تجتمع الهموم فتصير بشهود الجامع لها هما واحدا ويحصل الجمع إذ كان بالله وحده دون غيره، والتفرقة التى هى عقيب الجمع هو أن يفرق بين العبد وبين همومه فى حظوظه وبين طلب مرافقه وملاذه فيكون مفرقا بينه وبين نفسه فلا تكون حركاته لها وقد يكون المجموع ناظرا إلى حظوظه فى بعض الأحوال، غير أنه ممنوع منها قد حيل بينه وبينها لا يتأتى له منها شىء وهو غير كاره لذلك بل مريد له لعلمه بأنه فعل الحق به واختصاصه له وجذبه إياه مما دونه.
ومن الأمور الهامة للمريد السالك طريق الحق والتى تعد من أهم المجاهدات هو أن يخالف نفسه ويحملها على ما تكره، ويخالف الشيطان فلا يقدر هذا الأخير إلى إمالته إليه أو يحيده عن طريق القوم، وقال سيدى شرف الدين البصيرى رضي الله عنه فى مخالفة النفس والشيطان فى قصيدته الشهيرة ببردة المديح أو البردة:
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم
وقيل أن أصل المجاهدة وملاكها: فطم النفس عن المألوفات، وحملها على خلاف هواها فى عموم الأوقات، وللنفس صفتان مانعتان لها من الخير: إنهماك فى الشهوات، وامتناع عن الطاعات، فإذا جمحت عند ركوب الهوى وجب كبحها بلجام التقوى، وإذا حرنت عند القيام بالموافقات يجب سوقها على خلاف الهوى، وإذا ثارت عند غضبها، فمن الواجب مراعاة حالها، فما من منازلة أحسن عاقبه من غضب يكسب سلطانه بخلق حسن، وتخمد نيرانه برفق، فإذا استحلت شراب الرعونة فضاقت، إلا عن إظهار مناقبها والتزين لمن ينظر إليها ويلاحظها، فمن الواجب كسر ذلك عليها، وإحلالها بعقوبة الذل بما يذكرها من حقارة قدرها، وخساسة أصلها، وقذارة فعلها.
وجهد العوام فى توفية الأعمال وقصد الخواص إلى تصفية الأحوال فإن مقاساة الجوع والسهر سهل يسير، ومعالجة الأخلاق والتنقى من سفاسفها صعب شديد، ومن غوامض آفات النفس: ركونها إلى استحلاء المدح، فإن من تحسى منه جرعة حمل السموات والأرضين على شفرة من أشفاره، وأمارة ذلك: أنه إذا انقطع عنه ذلك الشرب آل حاله إلى الكسل والفشل.
وحكى عن بعض المشايخ يصلى فى مسجده فى الصف الأول سنين كثيرة، فعاقه يوماً عن الابتكار إلى المسجد عائق، فصلى فى الصف الأخير، فلم ير بعد ذلك مدة، فسئل عن السبب، فقال: كنت أقضى صلاة كذا، وكذا سنة صليتها وظنى أنى مخلص فيها لله، فداخلنى يوم تأخرى عن المسجد من شهود الناس إياى فى الصف الأخير نوع خجل، فعلمت أن نشاطى طول عمرى إنما كان على رؤيتهم فقضيت صلواتى.
فانظر يا أخى هذه القصة الأخيرة التى توضح ما مدى خطورة النفس وتملكها من العبد، فكانت شهوة حب المديح من الناس أفسدت عليه صلاته وحاله مع الله، بل جعلت من كل ما فعله فى الأيام السابقة شئ يندم على فعله وليس يفتخر به أو يحتسبه عند المولى تبارك وتعالى، فعلينا أن نحذر وننتبه إلى آفات النفس بمجاهدتها قدر جهدنا كى نتخلص من هذه العلل الباطنة، ونسأل الله أن يعيذنا منها أو يزيلها عنا إن كانت فينا بجاه حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأكرمين رضوان الله عليهم أجمعين.
طالب الوصل
=======
رابط الموضوع :- http://almagalla.info/2012/jun9.htm
=======
من أسرار الإسراء
كرم الله حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج، هذا المعجزة كان فيها توطئة للتنظير بين شريعة الإسلام وشريعة موسى على عادة القرآن فى ذكر المثل والنظائر الدينية، ورمزا إلهيا إلى أن الله أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الفضائل أفضل مما أعطى من قبله، وأنه أكمل له الفضائل فلم يفته منها فائت. فمن أجل ذلك أحله بالمكان المقدس الذى تداولته الرسل من قبل، فلم يستأثرهم بالحلول بذلك المكان هو مهبط الشريعة الموسوية، ورمز أطوار تاريخ بنى إسرائيل وأسلافهم، والذى هو نظير المسجد الحرام في أن أصل تأسيسه فى عهد إبراهيم كما ورد عند تفسير قوله تعالى ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ الإسراء 1، فأحل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم بعد أن هُجِرَ وخُرِّب إيماءً إلى أن أمته تجدد مجده. وأن الله مكنه من حرمى النبوة والشريعة، فالمسجد الأقصى لم يكن معمورا حين نزول هذه السورة وإنما عُمِّرت كنائس حوله، وأن بنى إسرائيل لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى، فكان إفسادهم سببا فى تسلط أعدائهم عليهم وخَرَاب المسجد الأقصى. وفي ذلك رمز إلى أن إعادة المسجد الأقصى ستكون على يد أمة هذا الرسول الذى أنكروا رسالته.
ومن أسرار الإسراء أن الحق سبحانه فرض على حبيبه ومصطفاه خمسين صلاة فى اليوم والليلة، وعند مروره بسيدنا موسى عليه السلام سأله: ما فرض الله على أمتك؟ فقال: خمسين صلاة، فقال سيدنا موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجع الحبيب، فحط المولى منها خمس، ومازال الحبيب يتراوح بين سيدنا موسى عليه السلام والحق سبحانه وتعالى حتى وصلت إلى خمس صلوات، ولما أراد سيدنا موسى عليه السلاك أن يخفف الخمس، أجابه *بأنه قد استحى من ربه.
وهنا لطيفة: لمن يدعى أن الأحياء لا ينتفعون بالأموات، فهذا دليل صريح على انتفاع الأحياء بالأموات، فسيدنا موسى عليه السلام نفع الأمة المحمدية بأسرها من حيث تخفيف الصلاة ... فهل سيدنا موسى عليه السلام كان حياً أم ميتاً؟!!
وبعد الرحلة يتجه الحبيب المحبوب إلى بيت الله الحرام فيأتيه أبو جهل ويقول: هل من نبأ جديد؟ فقال الحبيب: نعم، لقد أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس قال أبو جهل متعجباً: وأصبحت بين ظهرانينا؟ فقال الحبيب: نعم، قال أبو جهل: أتحدث القوم بما حدثتنى؟ قال صلوات ربى وسلامه عليه: نعم، فنادى أبو جهل فى الناس، يا بنى فهر، يا بنى مضر، يا بنى كنانة، فاجتمع العرب، فقال أبو جهل لهم: انظروا إلى صاحبكم ماذا يقول، وكرر عليه نفس الأسئلة عن النبأ الجديد، والناس ما بين مصدق ومكذب، وكل من كذبوا الحبيب ارتدوا كفاراً وضُربت أعناقهم، ثم توجه أبو جهل إلى سيدنا أبو بكر قائلاً: يزعم صاحبكم أنه ذهب إلى بيت المقدس فى بعض ليلة وأصبح بين ظهرانينا، فرد عليه سيدنا أبو بكر قائلاً: أو قال ذلك؟ فقال أبو جهل: نعم، فقال الصديق: لقد صدق، أنا أصدقه فى أبعد من ذلك، أصدقه فى خبر السماء.
ثم أن قبائل قريش طالبوا الحبيب بالدليل والبينة، طالبوه أن يصف لهم بيت المقدس، لأن الحبيب لم يخرج من بينهم إلى بيت المقدس، فأتى سيدنا جبريل بالبيت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفى رواية كشف الله له ما بينه وبين بيت المقدس فرآه ومضى فى وصفه بجميع العلامات المميزة فيه، وصفاً دقيقاً يُعجزهم عن تكذيبه، وصدق الحق سبحانه ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ النجم 12.
وهنا لطيفة ثانية: فنجد صنف من الناس سيماهم التكذيب حتى لو هناك أدلة وصنف أخر سيماهم التصديق دون طلب أدلة وصدق الحق سبحانه ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ المرسلات 15.
ونختم بلطيفة دقيقة عجيبة؛ ألا وهى: عندما تحدث الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه مع سائر الناس فى موضوع الإسراء والمعراج لم يحدثهم إلا فى الشق الأول من الرحلة ألا وهو الإسراء، لأنهم ليسوا أصحاب عقيدة فى الله ورسوله وطالبوه بإقامة البينة فأقامها عليهم بوصفه الدقيق لبيت المقدس، وليس هذا فحسب وإنما أخبرهم عن قافلة فى مكان ما وستدخل مكة فى يوم كذا ويتقدم القافلة جمل أوصافه كذا وكذا.
وعندما انفرد بصحابته حدثهم بما هو أشد من ذلك من الرحلة وهو المعراج، لأن رحلة المعراج تحتاج لأصحاب عقائد صالحة فى رسول الله لكى يصدقوا بقلوبهم وليس بعقولهم.
ولما انفرد بخاصة صحابته أسرهم بالرؤية الإلهية، ففيما أخرج الإمام أحمد والترمذى والنسائى والبزار والدارمى عنه أنه قال (رأيت ربى فى أحسن صورة)، وأيضاً عندما سأله سيدنا أبو ذر هل رأيت ربك؟ فقـال الحبيب (قد رأيته نورا أنى أراه) و"قد" هنا تحقيقية، وقد أورد الإمام الطبرى فى تفسيره عن عباد بن منصور قال: سألت عكرمة عن قوله تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ النجم 11، قال: أتريد أن أقول لك قد رآه؟ نعم قد رآه ثم نعم قد رآه حتى ينقطع النفس، وما أخرجه ابن جرير الطبرى فى جامع البيان عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال فى قوله تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾، رأى محمد ربه، وفيما أخرج الإمام مسلم فى صحيحه باب معرفة طريق الرؤية فى حديث طويل نذكر أوله، عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى أن ناساً فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) قال (هل تضارون فى رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب، وهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟ قالوا لا يا رسول الله، قال ما تضارون فى رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون فى رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة ...).
ولما لا وقد قال الحق تبارك وتعالى عن رؤية البشر له سبحانه ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ • إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ القيامة 22، 23، وإذا كانت الرؤية هنا فى الآخرة لسائر البشر فما بالكم بسيد البشر، وإذا قال أحد أن هذا يتعارض مع قول الحق سبحانه ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الأنعام 103، فقد نهى الحق سبحانه عن رؤيته بالبصر ولم ينه عن رؤيته بالبصيرة.
وصدق الإمام فخر الدين رضي الله عنه حين قال:
فى كل حين لنا فى المصطفى أمل حتى إذا حانت الإسرا يسرينا
التلميذ
=======
رابط الموضوع :- http://almagalla.info/2012/jun12.htm
=======
أليس مدح النبى صلى الله عليه وسلم شرك؟
يظن بعض الجهلاء وقاصرى النظر بأن مدح الحبيب المصطفى شرك ومغالاة وشىء يذمه الشرع ومنهى عنه مستندين الى حديث (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم) والإطراء فى اللغة أى المدح، وفى هذا الصدد من كتاب مفاهيم يجب أن تصحح لفضيلة الإمام الداعية الشيخ محمد بن علوى المالكى إمام البلد الحرام بمكة المكرمة يقول: هذا فهم سىء ويدل على قصر فهم صاحبه وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرى كما أطرت النصارى ابن مريم إذ قالو: ابن الله ومعنى ذلك أن من إطراه صلى الله عليه وسلم ووصفه بما وصفت النصارى نبيهم فقد صار مثلهم.
أما من مدحه بما لايخرجه عن حقيقة البشرية معتقداً أنه عبد الله ورسوله مبتعداً عن معتقد النصارى فإنه ولا شك من أكمل الناس توحيداً وفى ذلك يقول الإمام البصيرى:
دع ما ادعته النصارى فى نبيهم واحكم بما شئت فيه واحتكــم
فإن فضل رسول الله ليـــس له حد فيعرب عنه ناطق بفم
فمبلغ العلم فيه أنه بشــــــــر وأنه خير خلق الله كلهــــم
ثم يقول: ولقد تولى المولى تبارك وتعالى حبيبه ومصطفاه فقال فى كتابه العزيز ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم 4، وأمر بالتأدب معه فى الخطاب فقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ الحجرات 2، كما نهانا أن نعامله معاملة بعضنا بعضاً أو نناديه كما ينادى بعضنا بعضاً فقال ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ النور 63، وذم الذين يسوّون بينه وبين غيره فى المعاملة والأسلوب فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ الحجرات 4، كما أن الصحابة كانوا يمدحون النبى صلى الله عليه وسلم ومنهم سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه فيقول:
أغرُّ عليه للنبوة خاتـَمٌ مِن الله مشهودٌ يلوحُ ويشهدُ
وضمّ الإلهُ اسمَ النبى إلى اسمهِ إذا قال فى الخمس المؤذنُ أشهدُ
وشقّ له من اسمهِ ليُجِلـَّهُ فذو العرش محمودٌ وهذا محمدُ
نبىٌ أتانا بعد يأسٍ وفترةٍ من الرسل والأوثانُ فى الأرض تـُعبَدُ
فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً يلوح كما لاح الصقيلُ المهندُ
وأنذرَنا ناراً وبشـّر جنةً وعلـّمنا الإسلامَ فاللهَ نحمدُ
ويقول أيضاً:
ياركن معتمد وعصمة لائـذ وملاذ منتجع وجار مجـاور
يامن تخيـره الإلـه لخلقـه فحباه بالخلق الزكى الطاهـر
أنت النبى وخير عصبة أدمياً من يجود كفيض بحر زاخر
ميكال معك وجبرئيل كلاهمـا مدد لنصر من عزيز قـادر
وهذه صفية رضي الله عنها عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول:
ألا يا رسول الله قـد كـنت رجاءنـا وكـنـت بـنا بـراً ولم تـك جافـيـا
وكـنـت رحـيـماً هــاديـاً ومعـلــمـاً ليـبـك عليك اليوم من كان باكيـا
فــدى لـرسـول الله أمـى وخـالـتـى وعـمى وخالى ثـم نفسى وماليـا
فلــو أن رب الـنـاس أبـقـى نـبـينـا سعـدنا ولكـن أمـره كان ماضيـا
علـيـك مـن الله الـسـلام تـحـــيــة وأدخلت جنات من العدن راضيـا
وهذا كعب ابن زهير رضي الله عنه يقول:
بانَتْ سُعادُ فَقَلْبى اليَوْمَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفَدْ مَكْبولُ
وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرَةً لا يُشْتَكى قِصَرٌ مِنها ولا طُولُ
تَجْلُو عَوارِضَ ذى ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ كأنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
شُجَّتْ بِذى شَبَمٍ مِنْ ماءِ مَعْنِيةٍ صافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهْوَ مَشْمولُ
وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح نفسه بنفسه (أنا خير أصحاب اليمين، أنا خير السابقين، انا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر) رواه الطبرانى والبيهقى فى الدلائل، (أنا أكرم الأولين والأخرين ولا فخر) رواه الترمذى والديلمى ويقول جبريل عليه السلام "قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر رجلاً أفضل من محمد، ولم أر بنى أب أفضل من بنى هاشم" رواه البيهقى وابو نعيم والطبرانى عن عائشة رضي الله عنها ، والأحاديث كثيرة وكثيرة ورضى الله عن السيد العلوى صاحب هذا الكتاب وياليتهم لو يسمعوا إيحقدون حتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم الهم نجنا من شرورهم وأدبنا مع حبيبه ومصطفاه ونختم بما قاله سيدى فخر الدين حيث قال:
سَـيِّدًا لَمْ تَزَلْ وَغَيْرُكَ زَالُوا وَجَمِيعًا إِلَى جَنَابِكَ آلُوا (48/1)
وَكَرِيمًا وَرَحْمَةً وَإِمَامًا وَعَظِيمًا وَلَيْسَ فِيكَ يُقَالُ (48/2)
وَأَمَـانُ بِغَـيْرِ حِصْنِـكَ وَهْـمُ وَهُدًى غَيْرُ مَا تَقُولُ ضَلَالُ (48/3)
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِحِصْنِكَ أَمْنِى فَإِلَى مَنْ تُرَى يُبَثُّ سُؤَالُ (48/4)
وَجَزِيلُ عَطَاؤُكُمْ وَسَخِىٌّ وَبُلُوغُ الْكَمَالِ فِيكَ مُحَالُ (48/5)
وَجَمِيعُ الْكِرَامِ مِنْكَ نُجُومُ وَهُمُ بِالتَّجَلِّى عَلَيْكَ ظِلَالُ (48/6)
وَخَلَتْ قَبْلَكَ الْقُرُونُ وَخَـلَّتْ وَجَمِيلُ عَلَى يَمِينِكَ خَالُ (48/7)
فَأَجِرْنَا فَإِنَّ نُورَكَ فِينَا هُوَ ذَا الْحُسْنُ أَنْتَ فِيهِ مِثَالُ (48/
وَأَدِمْ عِزَّنَا بِوَصْلِكَ نَحْيَا فَلَنَا فِيكَ عُرْوَةٌ وَحِبَالُ (48/9)
وَتَخَـلَّلْ شِعَابَ قَلْبِ مُحِبٍّ فَإِذَا كُنْتَ قَلْبَهُ فَنَوَالُ (48/10)
فَإِذَا الشَّمْسُ مِنْ ضِيَاكَ خَفَاءُ وَإِذَا الدُّكُّ بِالْجَلِيلِ جِبَالُ (48/11)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى العدد القادم بإذن الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد مقبول
=======
رابط الموضوع :- http://almagalla.info/2012/jun11.htm
=======
مذهب الإمام مالك من موطأه
كتاب الطهارة
التيمم
23- باب التيمم
126 - حدثنى يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لى، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبى بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذى قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبنى أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده فى خاصرتى فلا يمنعنى من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذى، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير: ما هى بأول بركتكم يا آل أبى بكر. قالت: فبعثنا البعير الذى كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك فقال: بل يتيمم لكل صلاة، لأن عليه أن يبتغى الماء لكل صلاة فمن أبتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم.
وسئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟ قال: يؤمهم غيره أحب إلى ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسا.
قال يحيى: قال مالك فى رجل تيمم حين لم يجد ماء فقام وكبر ودخل فى الصلاة فطلع عليه إنسان معه ماء؟ قال: لا يقطع صلاته بل يتمها بالتيمم وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات.
قال يحيى: قال مالك: من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله، وليس الذى وجد الماء بأطهر منه ولا أتم صلاة، لأنهما أمرا جميعا فكل عمل بما أمره الله به، وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل فى الصلاة.
وقال مالك فى الرجل الجنب: إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن ويتنفل ما لم يجد ماء وإنما ذلك فى المكان الذى يجوز له أن يصلى فيه بالتيمم.
24 - باب العمل فى التيمم
127 - حدثنى يحيى عن مالك عن نافع: أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كانا بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيدا طيبا فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى.
وقال أَبو إِسحق: الصعيد وجه الأَرض. قال: وعلى الإِنسان أَن يضرب بيديه وجه الأَرض ولا يبالى أَكان فى الموضع ترابٌ أَو لم يكن لأَن الصعيد ليس هو الترابَ إِنما هو وجه الأَرض تراباً كان أَو غيره. قال ولو أَن أَرضاً كانت كلها صخراً لا تراب عليه ثم ضرب المتيمم يدَه على ذلك الصخر لكان ذلك طَهُوراً إِذا مسح به وجهه. قال الله تعالى ﴿فَتُصْبِح صعيداً﴾ لأَنه نهاية ما يصعد إِليه من باطن الأَرض.
128 - وحدثنى عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين وسئل مالك: كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ فقال: يضرب ضربة للوجه وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين.
25 - باب تيمم الجنب
129 - حدثنى يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلا سأل سعيد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء؟ فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل.
قال مالك فيمن احتلم وهو فى سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء وهو لا يعطش حتى يأتى الماء، قال: يغسل بذلك فرجه وما أصابه من ذلك الأذى ثم يتيمم صعيدا طيبا كما أمره الله.
وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد ترابا إلا تراب سبخة هل يتيمم بالسباخ؟ (السبَخةُ الأَرض المالحة. والسَّبَخُ: المكان يسبخُ فينبِتُ الملح، وتَسُوخُ فيه الأَقدام) وهل تكره الصلاة فى السباخ؟ قال مالك لا بأس بالصلاة فى السباخ والتيمم منها لأن الله تبارك وتعالى قال ﴿فتيمموا صعيدا طيبا﴾ فكل ما كان صعيدا فهو يتيمم به سباخا كان أو غيره.
كريم سالم
=======
رابط الموضوع :- http://almagalla.info/2012/jun6.htm
=======
رابط الاعداد السابقة :- http://almagalla.info/old_issues.htm#ar
رابط الموضوعات السابقة : http://almagalla.info/archives_ar/group_study.htm
=======