يسوقنا الحديث عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم وحاجتنا لهدا الحب في الدنيا والآخرة إلى الحديث عن أبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي علاقة خاصة متميزة نشأت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة رضوان الله عليهم. فكان صلى الله عليه وسلم للصحابة كالوالد الشفوق لهم أو كلأب الرحيم عليهم, يتابع أمورهم وأحوالهم الخاصة والعامة, الدينية والدنيوية بدقائقها وتفصيلاتها, وتطورت هده العلاقة عند المهاجرين والأنصار في مجتمع المدينة المنورة (مجتمع العائلة الكبيرة وراعيها ووليها رسولنا صلى الله عليه وسلم), حتى غدت وارفة الظلال تؤتي أكلها كل حين بإدن ربها, فكانت كما أرادها تعالى بين رسوله وخيرة خلقه ونزلت الآية الكريمة من سورة الأحزاب تمدح هده العلاقة وتؤكدها بقوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
مهاتهم ولتكون الصورة أوضح نزلت الآية الكريمةإنما المؤمنون أخوة، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأخوة لا مثيل لها في التاريخ تحت كنفه ورعايته
ومباركته وحرصه عليهم, قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنـين رؤوف رحيم
قال ابن كثير في تفسيره عند الآية السادسة من سورة الأحزاب : روى الإمام أحمد عن الزهري في قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه , فأيما رجل مات وترك ديناً فإلي, ومن ترك مالاً فهو لورثته. ورواه أبو داوود عن أحمد بن حنبل به نحوه. قال ابن كثير بمناسبة قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم. أي في الحرمة والإحترام والتوقير والإكرام والإعظام.
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما قرآ : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وروي نحو هدا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن , وهو أحد الوجهين في مدهب الشافعي رضي الله عنه, حكاه البغوي وغيره, واستأنسوا بالحديث الدي رواه أبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا لكم بمنزلة الوالد , أعلمكم , فإدا جاء أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه. أخرجه النسائي وابن ماجه... انتهى كلام ابن كثير تفسير ابن كثير.
الأب لغة : ما كان سبباً في ايجاد الشيء أو اصلاحه قاموس المنجد. فعلى هدا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب لجهده في اصلاح الصحابة ومن جاء بعدهم. وهده الأبوة هي أبوة روحية تنشأ نتيجة الإدعان له والإتباع لنهجه فهي نسب روحي رباني نتيجة الإنتساب لهدا الدين ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم. جاء بالحديث : ليس بين الله وبين عباده نسب إلا بطاعته. وقد ظهرت الأبوة أيضا عند الأنبياء السابقين وأتباعهم , فهدا سيدنا لوط عليه السلام يقول قال ياقوم : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم هود / 78. ويقصد هنا على قول أكثر المفسرين نساء قومه مخاطباَ شباب قومه : تزوجوا نساء قومي فهم أطهر لكم من الفاحشة, وقال بناتي ويعني بنات القبيلة موضحا العلاقة بينه وبين أفراد القبيلة.
فللنبوة في بعض معانيها الكثيرة معنى الأبوة : وهي رابطة روحية تربط النبي بأتباعه تنشأ نتيجة الإدعان له والإتباع لنهجه بعد مبايعته فتمنحهم الدفء والأمان والرعاية والحماية من الشرور والآثام وقد كان هدا المعنى واضحا جليا في علاقة الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع تقدم الأيام تعمق الشعور لدى الصحابة بأبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم, ونجد دلك كثيرا في ثنايا السيرة النبوية العطرة.
منها مناغاة الرسول صلى الله عليه وسلم للطفل ابن عباس رضي الله عنهما : يا غلام اني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك.
وعندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الثنية مودعاً معاد بن جبل لليمن كان ينظر إليه نظر الأب الحنون , ويتملى من وجهه قبل وداعه ثم يقول : لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا. ولشدة حبه لولده يطلب منه أن يزور قبره.
وكان صلى الله عليه وسلم يمازح صغيرهم : يا عمير ما فعل النغير... وكبيرهم أمسك مرة بجليبيب رضي الله عنه من خلفه بالسوق ونادى من يشتري هدا العبد.
ويفاكه شيوخهم : قال مرة لإمرأة مسنة : لا يدخل الجنة عجوز... ويبشرهم : وسألته أم حارثة عن ابنها القتيل أبالجنة فأفرح أم بالنار فأحزن ؟ فسكت ثم قال لها أجنة هي ؟؟ بل جنان فدهبت فرحة بهده البشرى.
ويواسي فقيدهم , ويحضن صغارهم : قصته مع أولاد جعفر عندما جاء خبر استشهاده في مؤتة.
ويعاقب مقصرهم : قصة الثلاثة الدين تخلفوا عن غزوة تبوك دون عدر , وينقل لنا كعب معاناته خلال هدا الهجر والعقاب وملاحقته اليومية لشفاه الرسول ونظراته وكيف كان يتعمد السلام ويقول عساه تحركت شفتاه بالسلام , وكان حرصه على نظرة من حبيبه صلى الله عليه وسلم تؤكد على علاقة الأبوة المتينة التي كان يظللبها صحابته رضوان الله عليهم. كان متابعة كعب متابعة الولد المشفق من دنبه مقابل عتاب الرسول الوالد الرحيم. بالمؤمنين رؤوف رحيم.
ويجبر كسر فقيرهم : جابر بن عبد الله رضي الله عنهما , كان ضعيف دات اليد , نقلت لنا السيرة على لسان جابر دلك الحوار الممتع بين الوالد الرحيم وجابر الفقير , وأسئلته صلى الله عليه وسلم المستفيضة عن أحواله وأخباره بدقائقها وبدعابة لطيفة منه صلى الله عليه وسلم, ثم يقص علينا جابر كيف اشترى منه ناقته الهزيلة , والقصة ممتعة وطريفة.
ويعطي الأمان للغريب منهم : سلمان رضي الله عنه رجل فارسي تنقل بين الأديرة والرهبان والبلدان باحثا عن الدين الحق حتى قاده قدره إلى العبودية, ولما تعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به ساعده في عتق رقبته من العبودية وكي لايشعر بالغربة بين المهاجرين والأنصار قال صلى الله عليه وسلم (سلمان منا آل البيت).
هده العلاقة المتينة ضمن الأسرة الواحدة بكنف الوالد الرؤوف الرحيم, صقلت الصحابة وجعلت منهم رجالاً عظماء كانوا أكفاء لحمل الأمانة من بعده, ولشدة حبه لأولاده قال لنا : لا تسبوا أصحابي.
ومن صور حبه لهم نرى صورة محزنة له صلى الله عليه وسلم يوم فجيعته بأصحاب بئر الرجيع وحزنه الكبير الدي لازمه حتى وفاته على شهداء أحد السبعين. ومن شدة حبه للرعيل الأول الدين حملوا معه عبء الدعوة كان يتولى بنفسه الصلاة على فقيدهم ودفنه وربما نزل في قبره وربما بكى عليه كما حصل يوم مات عثمان ابن مظعون وكدلك يوم ماتت السيدة فاطمة بنت أسد وغبرهما كثير...
وترتقي هده العلاقة مع بعض الصحابة حتى غدت عند الرسول أغلى من الولد سألته السيدة فاطمة من أحب إليك أنا أم علي ؟ قال صلى الله عليه وسلم (يابنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك ) أحرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وادا كنا نؤكد هنا هده العلاقة الخاصة من الأبوة بين الأنبياء وأتباعهم بسبب العقيدة والنسب الروحي فإننا نلاحظ أن العلاقة الصلبية بين النبي وأولاه تنقطع بسبب العقيدة , فهدا نوح عليه السلام كان ولده مع الكافرين وعندما جاء الأمر الالهي للماء وخاف نوح عليه السلام على ولده أن يموت كافرا سأل الله تعالى أن ينجي له ولده ونادى نوح ربه فقال : رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الخاكمين , قال يانوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح هود / 44 - 45 .
ونحن ورغم البعد الزمني عن عصر الصحابة, فإن الله تعالى لم يحرمنا علاقة الأبوة هده. لأن بيعة الشيخ الوارث تمنحنا الفرصة الدهبية لهده الرابطة من المحبة والمودة, رابطة الأبوة الروحية, وتتغدى هده الرابطة مع الشيخ وتنمو بصحبة الإخوان في أفياء الزاوية, لترتقي وتسمو حتى تصل إلى شعور الأبوة للرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا الباب الكبير لحب الرسول صلى الله عليه وسلم الدي يفعل الأعاجيب, فيصير في القلب حب دافئ ونبض دائم ودع سخين وشوق للملأ الأعلى, ولولا الشيخ الوارث المنسوب صلباً وروحاً للرسول صلى الله عليه وسلم لما أمكن انشاء هده العلاقة ولا الإرتقاء بها, وفي طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية تعتبر هده العلاقة من البدهيات والمسلمات عند السالكين, فبعد العهد يبدأ في القلب شعور بأبوة الشيخ لا يلبث أن يتنامى مع رعايته حفظه الله لهده العلاقة وحرصه الشديد على المريد بالظاهر والباطن. حتى أن سيدنا الكبير عبد الرحمن الشريف قدست أسراره نادانا بنصائحه الرحمانية : يا ابن الروح , وأحياناً أخرى : يا ابن الروح والفؤاد, توكيداً منه لهده العلاقة المتميزة, وليسهل لنا الباب للولوج للحب : حب الرسول صلى الله عليه وسلم والحب الإلهي