سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه
حواريى رسول الله صلى الله عليه وسلم
========
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لكل نبى حوارى وحواريى الزبير). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (طلحة والزبير جاراى بالجنة). وقال محمد بن عبد الرحمن بن نوفل "أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثمانى سنين وهاجر وهو ابن ثمانى عشرة سنة، وكان عم الزبير يعلق الزبير فى حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول ارجع إلى الكفر فيقول الزبير لا اكفر أبدا".
وقال عمرو بن مصعب "قاتل الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتى عشرة سنة فكان يحمل على القوم"، وقال على بن زيد "أخبرنى من رأى الزبير ان فى صدره مثل العيون من الطعن والرمى"، ولا يجىء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه، ولا يجىء ذكر الزبير الا ويذكر طلحة معه؛ فحين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخى بين أصحابه فى مكة قبل الهجرة، آخى بين طلحة والزبير. وطالما كان صلى الله عليه وسلم يتحدث عنهما معا مثل قوله (طلحة والزبير جاراى فى الجنة). وكلاهما يجتمع مع الرسول فى القرابة والنسب أما طلحة، فيجتمع فى نسبه مع الرسول فى مرة بن كعب وأما الزبير، فيلتقى فى نسبه مع الرسول فى قصّى بن كلاّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وكل منهما: طلحة والزبير كان أكثر الناس شبها بالآخر فى مقادير الحياة فالتماثل بينهما كبير، فى النشأة، فى الثراء، فى السخاء، فى قوة الدين، فى روعة الشجاعة، وكلاهما من المسلمين المبكرين بإسلامهم ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالجنة، ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر اختيار الخليفة من بعده، وحتى مصيرهما كان كامل التماثل، بل كان مصيرا واحدا.
ولقد أسلم الزبير، اسلاما مبكرا، اذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام، وأسهموا فى طليعته المباركة فى دار الأرقم، وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة، وهكذا رزق الهدى والنور والخير صبيا ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه؛ حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر فى الاسلام كان سيف الزبير، ففى الأيام الأولى للاسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون فى دار الأرقم، سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل، فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه، وسار فى شوارع مكة، على حداثة سنه كالإعصار؛ ذهب أولا يتبيّن الخبر، معتزما إن ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه فى رقاب قريش كلها حتى يظفر بهم أو يظفروا به، وفى أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله ماذا به؟ فأنهى اليه الزبير النبأ. فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب.
وعلى الرغم من شرف الزبير فى قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها، وكان الذى تولى تعذيبه هو عمه، كان يلفه فى حصير، ويدخن عليه بالنار كى تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب "أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب" فيجيبه الزبير الذى لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غضّ العظام، يجيب عمه فى تحدّ رهيب "لا والله لا أعود لكفر أبدا".
ويهاجر الزبير الى الحبشة، الهجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله. لا تفتقده غزوة ولا معركة وما أكثر الطعنات التى تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها، أوسمة تحكى بطولة الزبير وأمجاده! ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التى تزدحم على جسده، يحدثنا عنها فيقول "صحبت الزبير بن العوّام فى بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذّعا بالسيوف، وان فى صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمى، فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك مالم أره بأحد قط. فقال لى: أما والله ما منها جراحة الا مع رسول الله وفى سبيل الله".
وفى غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة وندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا فى الرجوع الى المدينة واستئناف القتال وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان اللباقة الحربية التى استخدمها الصديق والزبير، جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين، وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التى أجاد الزبير مع الصديق ابراز قوتها؛ ما هى الا مقدمة لجيش الرسول الذى يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيرها، وأسرعت خطاها الى مكة. ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده؛ فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو "الله أكبر" واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه، ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، وسيف يتوهج فى يمينه لا يكبو، ولا يحبو.
وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة، عظيم الغرام بالموت فى سبيل الله. وكان يقول "ان طلحة بن عبيد الله يسمى بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبى بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنى لأسمى بنى بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون" وهكذا سمى ولده عبد الله بن الزبير تيمنا بالصحابى الشهيد عبد الله بن جحش، وسمى ولده المنذر تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو، وسمى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو، وسمى حمزة تيمنا بالشهيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبد المطلب، وسمّى جعفر تيمنا بالشهيد الكبير جعفر بن أبى طالب، وسمى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير، وسمى خالد تيمنا بالصحابى الشهيد خالد بن سعيد، وهكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشهداء، راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالهم شهداء.
ولقد قيل فى تاريخه أنه ما ولى امارة قط، ولا جباية، ولا خراجا ولا شيئا الا الغزو فى سبيل الله". وكانت ميزته كمقاتل، تتمثل فى فى اعتماده التام على نفسه، وفى ثقته التامة بها، فلو كان يشاركه فى القتال مائة ألف، لرأيته يقاتل وحده فى لمعركة؛ وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع على كاهله وحده. وكان فضيلته كمقاتل، تتمثل فى الثبات، وقوة الأعصاب. رأى مشهد خاله حمزة يوم أحد وقد مثّل المشركون بجثمانه القتيل فى قسوة، فوقف أمامه كالطود ضاغطا على أسنانه، وضاغطا على قبضة سيفه، لا يفكر الا فى ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحى ينهى الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه!
وحين طال حصار بنى قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع على ابن أبى طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع على قوله "والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنّ عليهم حصنهم" ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن، وبقوة أعصاب مذهلة، أحكما انزال الرعب فى أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين، ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك فى تلك الغزوة؛ أبصره بعد هزيمتهم فى حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وحده، وأزاحهم عن المكمن الذى كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة.
ولقد كان حظه من حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديره عظيما، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يباهى به ويقول (ان لكل نبى حواريا وحواريى الزبير بن العوّام) ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبى بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفى القوى، والشجاع الأبىّ، والجوّاد السخىّ، والبائع نفسه وماله لله رب العالمين، ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال "أقام على عهد النبى وهديه حواريّه، والقول بالفعل يعدل، أقام على منهاجه وطريقه يوالى ولى الحق، والحق أعدل، هو الفارس المشهور والبطل الذى يصول اذا ما كان يوم محجّل، له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قربى قريبة، ومن نصرة الاسلام مجد موثّل، فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والله يعطى ويجزل، وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل".
وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسى رهان، فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضا، ولكنه أنفقه فى الاسلام حتى مات مدينا، وكان توكله على الله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته حتى وهو يجود بروحه، ويوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قال له "اذا أعجزك دين، فاستعن بمولاى" وسأل عبد الله "أى مولى تعنى؟" فأجابه "الله، نعم المولى ونعم النصير". يقول عبد الله فيما بعد "فوالله ما وقعت فى كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضى دينه، فيقضيه".
وفى يوم الجمل، كانت نهاية سيدنا الزبير ومصيره فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال، وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال، وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدى ربه يصلى، وذهب القاتل الى الامام على يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع بين يديه سيفه الذى استلبه منه، بعد اقتراف جريمته، لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، صاح آمرا بطرده قائلا "بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار" وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبّله الامام وأمعن بالبكاء وهو يقول "سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله".
أهناك تحيّة نوجهها للزبيررضي الله عنه فى ختام حديثنا عنه، أجمل وأجزل من كلمات الامام على، فسلام على الزبير فى مماته بعد محياه، سلام، ثم سلام، على حوارى رسول الله.
اللهم بجاه الحبيب العدنان وآله الكرام الطيبين وأصحابه الغر الميامين أجعلنا معهم دائما أبدا، وأحشرنا فى ذمرتهم أجمعين وأكرمنا بمشايخنا وسادتنا اللهم أمين ولجميع أخواننا أمين أمين.
يموت شهيدا من أحب محمدا وآلا وأصحابا فيا سعد ميت
..........
الزهراء ياسين
رابط الموضوع على موقع المجلة :- http://almagalla.info/2011/dec7.htm