الصحابى الجليل: أبو ذر الغفارى رضى الله عنه
قال صلى الله عليه وسلم (أَبُو ذَرٍّ يَمْشِى فِى الأرْضِ بِزُهْدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) الترمذى فى سننه عن أبى ذر. فعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّى سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِى النَّبِى صلى الله عليه وسلم (يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) متفق عليه, أخرجهما البخارى ومسلم فى الصحيح عن المعرور بن سويد رضى الله عنه.
هذا الصحابى الجليل كان من أطراف المدينة، وادٍ من الوديان التى تصل مكة بالعالم الخارجى. تعرفون الوديان ممرات إجبارية، فهناك وادٍ يعد ممراً إجبارياً بين مكة والعالم الخارجى، فى هذا الوادى الذى اسمه (ودان) كانت تنزل قبيلة غفار، وقد تسألون لماذا فى الوادى؟ لأن الوادى مسيل الماء، وفى قعر الوادى قد تتجمع المياه، وقد ينبت الكلأ، لذلك هذه القبيلة، قبيلة غفار كانت تنزل فى قعر الوادى الذى يصل مكة بالعالم الخارجى، يعنى على الطريق، وكانت غفار قبيلة فقيرة جداً، تعيش من ذلك النزر اليسير الذى تبذله لها القوافل، أى تعيش على فتات القوافل كان جندب بن جنادة المكنى بأبى ذر واحداً من أبناء هذه قبيلة غفار, وكان واحداً من هذه القبيلة التى تعيش فى ذلك المكان، وعلى فتات القوافل، أو على قطع الطريق, لكن هذا الصحابى الجليل سيدنا أبو ذر الغفارى كان يمتاز بجرأة القلب، ورجاحة العقل، وبُعْدِ النظر، وفطرته كانت تأبى أن يعبد الأصنام، كان يضيق أشد الضيق بهذه الأوثان التى تُعبد من دون الله، ويستنكر على قومه، يستنكر فساد دينهم، وتفاهة معتقدهم فكان أبو ذر رضى الله عنه يضيق أشد الضيق بقومه، ويتطلع بفطرته إلى ظهور النبى الجديد، الذى يملأ على الناس عقولهم وأفئدتهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
سيدنا أبو ذر كان عنده فراغ، كان عنده بحث دائم، ثم تناهت إلى أبى ذر وهو فى باديته أخبارُ النبى صلى الله عليه وسلم الذى ظهر فى مكة، وقال لأخيه أنيس: انطلق إلى مكة، وقِفْ على أخبار هذا الرجل الذى يزعم أنه نبى، وأنه يأتيه وحى من السماء، واسمع شيئاً من قوله واحمله إلى, ذهب أنيس إلى مكة، والتقى بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وسمع منه، ثم عاد إلى البادية، فتلقاه أبو ذر باللهفة، وسأله عن أخبار النبى الجديد بشغف, فقال: لقد رأيت واللهِ رجلاً يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويقول كلامًا ما هو بالشعر. فقال: وماذا يقول الناس عنه؟ قال: يقولون: ساحر، وكاهن، وشاعر. فقال أبو ذر:والله ما شفيت لى غليلاً، ولا قضيت لى حاجة، فهل أنت كافٍ عيالى حتى انطلق فأنظر فى أمره؟ قال: نعم، ولكن كنْ من أهل مكة على حذر, لأن الرجل مُحارَب هناك، فإذا علموا أنك جئته ربما قتلوك.
بلغ أبو ذر مكة المكرمة، وهو متوجس خيفة من أهلها، فقد تناهت إليه أخبار غضبة قريش لآلهتهم، وتنكيلهم بكل من تحدثه نفسه باتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لذلك كره أن يسأل أحداً عن سيدنا محمد، لأنه ما كان يدرى أيكون هذا المسؤول من شيعته أم من عدوه؟ لا يعرف, لما أقبل الليل اضطجع عند الكعبة، فمر به رجل هو سيدنا على بن أبى طالب، فعرف أنه غريب، فقال: هلم إلينا أيها الرجل، فمضى معه، وبات ليلته عنده، وفى الصباح حمل قربته ومزوده، وعاد إلى الكعبة دون أن يسأل أحدًا عن شيئ, ثم قضى أبو ذر يومه الثانى دون أن يتعرف إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فلما أمسى أخذ مضجعه عند الكعبة، فمر به سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال له: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟ ثم اصطحبه معه فبات عنده ليلته الثانية، ولم يسأل أحدٌ منهما صاحبه عن شيئ, فلما كانت الليلة الثالثة، قال على لصاحبه: ألا تحدثنى عما أقدمك إلى مكة؟ فقال أبو ذر: إن أعطيتنى ميثاقاً أن ترشدنى إلى ما أطلب فعلت. فأعطاه سيدنا على ما أراد من ميثاق, فقال أبو ذر: لقد قصدت مكة من أماكن بعيدة أبتغى لقاء النبى الجديد، وسماع شيئ مما يقوله, فانفرجت أسارير سيدنا على، وقال: والله إنه لرسول الله حقاً, هذه على حد قوله تعالى ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ طه 40، فالله عز وجل علم صدقه، فجمعه بصحابى جليل، ابن عم النبى صلى الله عليه وسلم ، قال: والله إنه لرسول الله حقاً, وإنه وإنه وإنه... وحدثه عن النبى صلى الله عليه وسلم ، فإذا أصبحنا فاتبعنى حيثما سرت, قال له: سر ورائى، فإن رأيت شيئاً أخافه عليك، وقفتُ كأنى أريق الماء - اتفقوا على إشارة - فانتبه وارجع، فإن مضيت فاتبعنى حتى تدخل معى، فلم يقر لأبى ذر مضجعه طوال ليلته شوقاً إلى النبى ورؤيته، ولهفة إلى استماع شيئ مما يوحى إليه , وفى الصباح مضى على رضى الله عنه بضيفه إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضى أبو ذر وراءه يقفو أثره، وهو لا يلوى على شيئ، حتى دخلا على النبى صلى الله عليه وسلم. ويقولون: إنّ أول صحابى سلَّم على النبى بسلام الإسلام هو أبو ذر الغفارى، أما كان راجح العقل؟ بلى- حينما رأى النبى صلى الله عليه وسلم, قال: السلام عليك يا رسول الله. لنا هنا كلام جميل، فحين يتكلم الإنسانُ فإمّا أنْ يعلو أو يسقط، قال زهير بن أبى سلمى فى معلقته:
وكائِنْ ترَى مِنْ صَامِتٍ لكَ مُعجِبٍ زِيادَتُهُ أوْ نَقصُهُ فِى التّكَلُّـــمِ
سيدنا عمر كان مرةً ماشيًا فى الطريق، فقال: السلام عليكم يا أهل الضوء, ولم يَقُلْ: السلام عليكم يا أصحاب النار. فرد النبى صلى الله عليه وسلم على أبى ذر (وعليك سلام الله ورحمته وبركاته) - فعندما تقول: السلام عليكم، يعنى أننى إنسان خيَّر فلا تخف منى، الإنسان عليه أن يكثر السلام، حتى إذا دخل على أهل بيته، حتى إذا دخل إلى محل ما فليبدأ بالسلام, وهكذا كان أبو ذر أول من حيَّا الرسول بتحية الإسلام، ثم شاعت وعمَّت بعد ذلك, أقبل النبى صلى الله عليه وسلم على أبى ذر يدعوه إلى الإسلام، ويقرأ عليه القرآن، فما لبث أن أعلن كلمة الحق، ودخل فى الدين الجديد قبل أن يبرح مكانه، فكان رابع ثلاثة أسلموا أو خامس أربعة, بعض الصحابة يقولون: كنت فى وقت وأنا ثلث الإسلام، الثلث أى سبقه اثنان، الآن أنت كم سبقكم من واحد؟ ألف ومائتا مليون، أنت واحد على ألف مليون ومائتى مليون، سيدنا أبو ذر واحد على أربعة، يعنى حينما دخل فى الإسلام كان رابع خمسة أو ثالث أربعة. ماذا فعلت قريش حينما علمت بإسلام أبى ذر, وكيف نجى من القتل, وبماذا أمره النبى صلى الله عليه وسلم ؟
قال أبو ذر: أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فعلمنى الإسلام، وأقرأنى شيئاً من القرآن، ثم قال لى (لا تخبر بإسلامك أحداً فى مكة، فإنى أخاف عليك أن يقتلوك) فقلت: والذى نفسى بيده لا أبرح مكة حتى آتى الكعبة، وأصرخ بدعوة الحق بين ظهرانى قريش، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فجئت الكعبة، وقريش جلوس يتحدثون، فتوسطتهم، وناديت بأعلى صوتى، يا معشر قريش، إنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، فما كادت كلماتى تلامس آذان القوم حتى ذعروا جميعاً، وهبوا من مجالسهم، وقالوا: عليكم بهذا الصابئ، وقاموا إلىَّ، وجعلوا يضربوننى لأموت، فأدركنى العباس بن عبد المطلب عمُّ النبى صلى الله عليه وسلم ، وأكب على ليحمينى منهم، ثم أقبل عليهم، وقال: ويلكم, ويلكم، أتقتلون رجلاً من غفار، وممر قوافلكم عليهم؟ انتبهوا. قال: ولما أفقت من غيبوبتى بعد أن ضُربت ضرباً مبرحاً، جئت النبى صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى ما بى قال صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر, ألم أنهك عن إعلان إسلامك؟) فقلت: يا رسول الله, كانت حاجة فى نفسى فقضيتها, فقال صلى الله عليه وسلم (الحقْ بقومك، وأخبرهم بما رأيت وما سمعت، وادعُهم إلى الله، لعل الله ينفعهم بك، ويأجرك فيهم) قال صلى الله عليه وسلم (فإذا بلغك أنى ظهرت فتعال إلى). قال أبو ذر: فانطلقت حتى أتيت منازل قومى، فلقينى أخى أنيس، فقال: ما صنعت؟ قلت: لقد أسلمتُ وصدَّقتُ, فما لبث أن شرح الله صدره، وقال: مالى رغبة عن دينك، فإنى قد أسلمت وصدقت أيضاً. ثم أتينا أمَّنا فدعوناها للإسلام - والمرأة لها قيمة وشأن، فهى أمٌّ, وزوجة - فقالت: مالى رغبة عن دينكما، وأسلمتْ أيضاً.
منذ ذلك اليوم انطلقت الأسرة المؤمنة تدعو إلى الله، لا تكلُّ عن ذلك، ولا تملّ منه، حتى أسلم من غفار خلق كثير، وأقيمت الصلاة فيهم - ما معنى قوله تعالى؟ ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ النحل 120. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللهَ) أخرجه مسلم فى الصحيح عن ابن عمر.
أقام أبو ذر فى باديته حتى مضت بدرٌ وأحدٌ والخندقُ، ثم قدم إلى المدينة، وانقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستأذنه أن يقوم فى خدمته، فأذن له، ونَعِمَ بصحبته، وسَعِدَ بخدمته، وظلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثره ويكرمه، فما لقيه مرةً إلا صافحة، وهشَّ فى وجهه وبشَّ.
لما لحق النبى صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى لم يُطِق أبو ذر صبراً على الإقامة فى المدينة، بعد أن خلت من سيدها، وأقفرت من هدى مجلسه، فرحل إلى بادية الشام، وأقام فيها مدة خلافة سيدنا أبى بكر الصديق وسيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين، وفى خلافة سيدنا عثمان ذو النورين نزل فى دمشق، فرأى من إقبال المسلمين على الدنيا وانغماسهم فى الترف ما أذهله، ودفعه إلى استنكار ذلك، فاستدعاه عثمان إلى المدينة، فقدم إليها، لكن ما لبث أن ضاق برغبة الناس فى الدنيا، وضاق الناس بشدته عليهم، وتنديده بهم، فأمره عثمان بالانتقال إلى الربذة، وهى قرية صغيرة من قرى المدينة، فرحل إليها، وأقام فيها بعيداً عن الناس، زاهداً بما فى أيديهم من عرض الدنيا، مستمسكاً بما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وصاحباه من إيثار الباقية على الفانية.
فى أحدى الأيام دخل عليه رجلٌ، فجعل يقلب الطرف فى بيته، فلم يجد فيه متاعاً، فقال: يا أبا ذر, أين متاعكم؟ فقال: لنا بيت هناك، نرسل إليه صالح متاعنا، ففهم الرجل مراده، أنّه يعنى الدار الآخرة وقال: ولكن لا بد لك من متاع ما دمت فى هذه الدار، فأجاب: ولكن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وبعث إليه أمير الشام بثلاثمائة دينار، وقال له: استعن بها على قضاء حاجتك، فردها إليه، وقال: أما وجد أمير الشام عبداً لله أهون عليه منى؟
وفى السنة الثالثة والثلاثين للهجرة استأثرت يد المنون بالعابد الزاهد، الذى قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم (مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ, وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ - الغبراء الأرض، والخضراء السماء - مِنْ ذِى لَهْجَةٍ أَصْدَقَ, وَلَا أَوْفَى مِنْ أَبِى ذَرٍّ، شِبْهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أخرجه الترمذى فى سننه, رضى الله عن صحابة الرسول سيدنا محمد النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم أجمعين اللهم بجاه الحبيب أكرمنا بسيدنا أبى ذر الغفارى وأحشرنا معهم أجمعين اللهم أمين وأرضى عنا مشايخنا وساداتنا الأكرمين أمين.
الزهراء ياسين
-------
رابط الموضوع:
http://www.almagalla.info/2012/jan7.htm
========
صدق الصحابة رضى الله عنهم
غزوة تبوك هى أحد الغزوات التى تمت فى طقس حار وموقعها على بعد كبير من المدينة فتخلف عن الغزوة بضعة وثمانين رجلاً وعندما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا له بأعذار مختلفه إلا ثلاثة هم سيدنا كعب بن مالك وسيدنا مرارة بن الربيع العمرى وسيدنا هلال بن أمية الواقفى فقد صدقوا رسول الله القول أنهم ليس لهم عذر لعدم خروجهم وقد قال سيدنا كعب عندما سأله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟) فقلت: بلى، إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً، ولكنى والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله أن يسخط على، ولئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه إنى لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لى من عذر، ووالله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما هذا فقد صدق، فقم حتى بقضى الله فيك).
ولقد صدق الثلاثة قولهم لرسول الله لحسن عقيدتهم فى الله ورسوله.
وبعد ذلك نهى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون عن كلام هؤلاء الثلاثة فأجتنبهم الناس وتغيروا لهم، ولقد استكان سيدنا مرارة بن الربيع وسيدنا هلال بن أمية وقعدا فى بيوتهم يبكيان، وأما سيدنا كعب فكان يخرج للناس ويطوف فى الاسواق ويشهد الصلاة ولا يكلمة أحد ويآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وهو فى مجلسة فى الصلاة ويقول فى نفسة هل حرك شفتية برد السلام أم لا؟
وعندما طالت علية جفوه الناس قابله أحد أهل الشام قدم للمدينة دله الناس عليه ودفع له كتاباً من ملك غسان فلما قرأه وجد فيه "أما بعد: فإنه قد بلغنى أن صاحبك قد جافاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك". فقال سيدنا كعب فى نفسة وهذا أيضاً من البلاء، وأخذ الرسالة وألقاها فى التنور - الفرن - وسار الحال على ذلك مده أربعين ليلة، وأتاة رسول من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل إمرأتك، فقال له سيدنا كعب: أطلقها أم ماذا أفعل. قال(لا بل أعتزلها ولا تقربها) وارسل الى الاثنين الأخرين مثل ذلك، فقالوا لزوجاتهم: ألحقن بأهلكن حتى يقضى الله هذا الامر. فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله، ان هلال بن أمية شيخ ضائع، وليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال (لا ولكن لا يقربك) قالت: إنه والله، ما به حركة إلى شيئ، والله ما زال يبكى منذ كان من أمره إلى يومه هذا.
ثم لبث الثلاثة عشر ليال حتى كملت لهم خمسون ليلة من بدايه نهى النبى صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم يقول سيدنا كعب: فبينا أنا جالس على الحال التى ذكر الله عز وجل وقد ضاقت على نفسى، وضاقت على الأرض بما رحبت – سمعت صوت صارخ وفى أعلى جبل سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أنه فرج، وآذان رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فلما جاءنى الذى سمعت صوته يبشرنى نزعت له ثوبى فكسوته إياهما ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلقانى الناس فوجاً فوجاً يهنئوننى بالتوبه فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور – (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) فقال سيدنا كعب: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال (لا بل من عند الله) وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وحهه كأنه قطعة قمر، ثم قال سيدنا كعب "إن من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) فقال سيدنا كعب: فإنى أمسك سهمى الذى بخيبر يا رسول الله، إن الله نجانى بالصدق، وان من توبتى ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت.
ويقول سيدنا كعب وانزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار﴾ إلى قوله ﴿وكونوا مع الصادقين﴾ التوبة 117- 119، فوالله ما أنعم الله على نعمة قط بعد ان هدانى للإسلام أعظم فى نفسى من صدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحى شر ما قال لأحد، قال تعالى ﴿سيحلفون بالله لكم إذا أنقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم﴾ إلى قوله ﴿فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾ التوبة 95-96، وقال كعب: وكنا خلفنا – الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال تعالى ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ التوبة 118، ليس الذى ذكر الله مما خلفنا من الغزو، إنما تخليفة إيانا وإرجاؤنا عمن حلف له، وإعتذر إليه فقبل منهم.
اللهم أرزقنا حسن العقيدة التى تورث الصدق وحس القصد اللهم آمين
التلميذ
------
رابط الموضوع:
http://www.almagalla.info/2012/jan7.htm
=======
ناصح
كنت قاعد فى مكتبى لقيت واحد من زملاء العمل بيقول: يا إخواننا علينا بشرع الله والحكم بيه، وإلا اللى ما بيحكم بما أنزل الله دول الكفار، قلت له يا عم انت إيه الحكاية؟ أول مرة أشوفك دلوقت قاعد تتكلم فى الدين، فينك من زمان؟ قال لى ربنا هدانى، قلت له ربنا هداك تقوم تكفر باقى الناس اللى معاك!! سبحان الله إيه الهداية العجيبة دى؟!! وبعدين سألته: انت سمعت الكلام ده فين؟ قال لى فى خطبة الجمعة اللى فاتت لقيت الخطيب بيقول كده، قلت له: وان شاء الله انت ناوى تكفر الناس عشان سمعت الخطيب بيقول كده، ألم تسمع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم اللى بيقول (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) والحديث ده رواه البخارى ومسلم والإمام احمد ابن حنبل وكتير من الناس المحترمين بتوع زمان رضوان الله عليهم أجمعين، قلت له: عارف يعنى إيه (باء بها أحدهما)؟ قال لى: يعنى ايه؟ قلت له: يعنى لو الانسان اللى انت قلت عليه كافر ده طلع مش كافر هايرجع الكفر عليك انت. قال لى: استغفر الله استغفر الله استغفر الله، قال لى: يعنى دى مصيبة كبيرة. قلت له: وأى مصيبة، انت عاوز تطلع الناس من دينها ويكون ده أمر سهل.
بعدين قلت له: تعالى كده نمسكهم واحدة واحدة. قال لى: هم إيه دول اللى هانمسكهم؟ قلت له: الآيات اللى انت بسببهم بتقول الكلام ده، وهم ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ • وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ • وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ • وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ قلت له تعرف الآيات دول فى سورة إيه والمشايخ بتوع زمان لما فسروهم قالوا فيهم إيه؟ قال لى لأ، قلت كمان ما عارفهم فى أى سورة من القرآن الكريم ولا اللى قبلنا قالوا فيهم إيه، طيب ياعم قاعد تتكلم وتفتى ليه؟!! عشان سمعت كلمتين فى خطبة بقى الدين كله عندك، وتبتدى فى أصعب حاجة فيه وهى تكفير الناس بغير علم ... عامة أنا برضه مايخلصنيش تفضل كده مش عارف، أقول لك ياسيدى حاجة عن الآيات دى: أولاً الآيات دى فى سورة المائدة ابتداء من الآية رقم 44 إلى 47، ثانيا السورة دى نزلت بعد الفتح، عارف فتح إيه؟ فتح مكة طبعا، فالسورة دى مدنية، ومدنية دى أصل القصة والموضوع، لأن الموضوع كان كلام زى ماهو واضح فى الآيات كلام لليهود والنصارى، لكن فى زماننا ده مسكوا بس فى جزء من الآيات وهو ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ و﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ و﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ عشان فيه ناس بتشوف الشئ اللى فى المجتمع مش ماشى مع مفهومهم للدين ده يبقى حرام وكفر، نرجع لقصتنا، مسكوا فى أجزاء الآيات دى وبس، ومن هنا كان تكفيرهم للناس، ولكن ربنا عشان يظهر لنا الحق فين وإيه هو الصح اللى علينا نتبعه، خَلّى كلام اللى قبلنا من الصحابة والتابعين يفضل قاعد لغاية أيامنا دى عشان نهتدى بيه وما نكفر الناس بالباطل، فتعالى معايا نشوف اللى قبلنا فى الموضوع ده قالوا إيه:
أولا: فى تفسير الإمام الرازى: قال فيه: اعلم أن هذا تنبيه من الله تعالى لليهود، وقال أيضاً عن سيدنا عكرمة رضى الله عنه أنه قال فى هذه الآية: قال عكرمة: قوله ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله﴾ إنما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه، أما من عرف بقلبه كونه حكم الله وأقر بلسانه كونه حكم الله، إلا أنه أتى بما يضاده فهو حاكم بما أنزل الله تعالى، ولكنه تارك له، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية، وهذا هو الجواب الصحيح والله أعلم، قلت له شفت الفرق الواضح بين كلامك اللى انت فهمته فى خطبة الجمعة وكلام أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمهم لكتاب الله عز وجل؟ قال لى شفت.
ثانياً: فى تفسير الإمام ابن كثير أن الآيات نزلت فى طائفتين من اليهود، وقال على بن أبى طلحة، عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين، قوله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. رواه ابن جرير، وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال: هى به كفر، قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقال الثورى، عن ابن جُرَيْج، عن عطاء أنه قال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. رواه ابن جرير، وقال وَكِيع عن سفيان، عن سعيد المكى، عن طاوس ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال: ليس بكفر ينقل عن الملة، وقال ابن أبى حاتم، عن طاوس، عن ابن عباس فى قوله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال: ليس بالكفر الذى يذهبون إليه.
قلت له شفت ازّاى طلع الموضوع هين وبسيط، وبعدين تحب أزيدك كمان؟ قال لى زدنى، قلت له تسمع عن حاجة اسمها العفو، قال لى يعنى إيه؟ قلت له إذا عفى المجنى عليه عن الجانى كانت هذه كفارة له، قال لى: آه. قلت له: معنى كده إن المجنى عليه مش عاوز الحكم بما أنزل الله وهو القصاص؟!! فسكت وقعد يهز فى رأسه.
قلت له: تلاقى الناس اللى دايماً بيقولوا الكلام بتاعك ده وموضوع الحكم بما أنزل الله يقصدوا بيها الحدود، تعرفها طبعاً، قال أيوه: زى حد القتل والسرقة وكذا وكذا، قلت له: طيب، تسمع عن عام الرمادة، قال: إيه الكلام اللى انت بتقوله ده، إيه الحاجات دى؟ قلت له: مشكلتنا إن الدين بتاعنا كبير أوى ومتين أوى وسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الحديث اللى أورده الإمام البيهقى فى سننه (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) عشان كده مش بين يوم وليلة تسمع لك كلمتين أو تصلى لك ركعتين بقيت انت شيخ الاسلام والعالم العلامة والحبر الفهامة؛ لا، الموضوع كبير جداً ... نرجع لموضوع عام الرمادة، عام الرمادة ده كان عام فيه قحط شديد فى زمن الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فماذا فعل الفاروق فى هذا العام؟ قال لى: عمل إيه؟ قلت له: وقّف حد السرقة، عشان الناس كانت بتسرق من الجوع ومش لاقيين ياكلوا. انتبه زميلى وقال لى: ياسلام، وقّف حد السرقة! قلت: آه وقّف حد السرقة، قلت له: مش عارف ليه الناس مش بيذكروا القصص اللى زى دى؟ مع إنهم لو تعرضوا لها هايلاقوا فيها إجابات كتير وردود أكتر على تساؤلات كانت عندهم ومش لاقيين لها إجابة، بدل ما يتخبطوا ويحكموا على أشياء بالكفر وهى على غير حكمهم، قلت: بس تلاقيهم كتير يذكروا ليك حكايات عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال لى: بالظبط صح كتير بيتكلموا عنه. قلت له: لكن فى التشدد والغلظة والقسوة وفقط، وسيدنا عمر رضى الله عنه برئ من كل هذه الأمور.
قلت: إيه رأيك فى كلام الناس دول؟ نظر إلى باستغراب شديد وقال لى: طيب إزاى الراجل كان فى الخطبة قاعد يقول كده؟ قلت له: أنا وانت مش مشكلتنا فى كده، دى مشكلة اللى بيسمع ويصدق من غير ما يتحقق، قلت له: وكمان فيه مشكلة تانية أكبر انت مش واخد بالك منها، وهى دى المصيبة الكبيرة، وهى إنك تقعد تسمع للتلفزيون مثلاً تلاقى واحد قاعد يكلم الناس كلام غلط فى غلط، والناس منساقة وراه، بسبب عدم علمهم بالنصوص أو الحقيقة فين، لكن لو كل واحد واخد باله كويس إنه هاييجى يوم من الأيام ويكون فيه فى مكان مظلم لا يرى فيه نفسه، طبعاً عارف أنا باتكلم عن إيه بالظبط؟ قال لى: أيوه هو فيه غيره "القبر". قلت له: بالظبط دلوقت فهمتنى، طالما الإنسان متيقن من اليوم ده، مش خايف لما ييجى يسألوه الملكين انت قلت الكلام ده ليه؟ هايرد يقول إيه ساعتها؟ هايقولهم أنا سمعت الراجل فى التلفزيون بيقول كده!! والا هايقول لهم زى حالاتك أنا سمعت الراجل فى خطبة الجمعة بيقول كده!! طيب فرضاً هو هايقول كده، طيب والملكين هايعملوا إيه بقى؟!! اللهم احفظنا وسلمنا يا كريم، والله دى مصيبة كبيرة فعلاً، لما الواحد ياخد دينه من تلفزيون أو خطبة جمعة لراجل واقف على المنبر مايعرفش إيه هى أفكاره أو توجهاته، ساعتها يبقى يستاهل كل اللى يجرى له، وحضرتك عامل فيها ناصح، وقاعد توعظ الناس بكلام مرسل من غير دليل أو برهان، وهان عليك دينك لدرجة إنك ماتتحقش من أى كلمة أى واحد يقولها لك فى الدين، بحجة إنه قال لك آية أو حديث، وانت مش فاهم معناهم بترددهم وخلاص، وماشى وراه زى ما يسوقك انت ماشى.
قال لى: توبة إن كنت أقول كلام مش فاهمه كويس أو من غير ما اتأكد من سنده الصحيح واللى قبلنا قالوا فيه إيه، قلت له نصيحتى ليك أهم حاجة هى إنك تتأكد من مصدر الكلام اللى بيقولوه الناس، وإوعى حد يقول لك آية ويفسرها لك من رأسه وتمشى وراه أو يقول لك حديث ويفسره لك من رأسه وتمشى بيه، لازم تتحرى الدقة وتتأكد من سند كلامه وتفسيره ده، هل فيه حد من الصحابة أو التابعين قالوه؟ وقلت له: تعرف أبو حصين؟ قال لى أبو حصين مين؟ قلت له ده واحد قال عنه الإمام الذهبى فى كتاب سير أعلام النبلاء إنه كان إمام حافظ واسمه عثمان بن عاصم بن حصين، من أهل الكوفة، وقالوا عنه "لا ترى حافظاً يختلف على أبى حصين" من شدة حفظه لأحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال عنه ابن معين والنسائى "أبو حصين ثقة" كان إذا سئل عن مسألة، قال: ليس لى بها علم والله أعلم، شوف مع شدة علمه وحفظه للأحاديث كان بيقول إيه، لأن لازم الواحد يكون متأكد جداً جداً من الكلام اللى بيقوله فى الدين، وكان أبو حصين بيقول فى صنف من الناس أيامه كانوا بيفتوا بدون علم كان بيقول عنهم "إن أحدهم ليفتى فى المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر" والمقصود بـ "عمر" هنا هو سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فياريت نتعلم من الناس دول ونمشى على دربهم، ربنا يحفظنا ويحفظك، ويحفظ السامعين. آمين.
سامر الليل
-------
رابط الموضوع:
http://www.almagalla.info2012//jan10.htm
========
الصراط المستقيم
شوف ياعم ... المرة دى مش حتكلم، حسمع بس، اتكلم انت براحتك فى اللى انت عاوز تتكلم فيه، أيوه ... اتكلم بقى ... عن الحقيقة، فنظر إلىّ فى استغراب، ثم قال: أتكلم فى اللى أنا عاوزه إزاى؟ وانت بتقول اتكلم فى الحقيقة ... وبعدين إحنا خلصنا موضوع الشريعة؟ فقلت: لأ ... بس بينى وبينك، أنا خايف ... أيوه خايف مستغرب ليه؟ أنا خايف من الكلام اللى حتقوله بعد كده، حاسس كده إن الواحد حيطلع يامولاى كما خلقتنى، بالنسبة للشريعة، وأمور المنظرة اللى ماشى بيها تطلع فشنك، علشان كده قلت تتكلم عن الحقيقة، يمكن نلاقى مخرج أو عذر ... شكلك كده بيقول مافيش فايدة من كلامى، خلاص ياسيدى كمل كلامك عن الشريعة، وزى ماتيجى تيجى، ووضع يده على رأسه يهرش فيها وكأنه ينشطها كى يتذكر ماقيل قبل هذا الحديث، وسكت فترة، فقلت فى نفسى: أحسن ... يارب ينسى ...، ولكنه قال فجاءة: اسمع ... لو أنت رايح إلى مكان قريب أو بعيد بتستخدم إيه علشان توصل لهذا المكان؟ فقلت: لو المكان قريب يبقى مش حتكلف حاجة، حاستخدم رجلين وإن كان بعيد يبقى حركب أتوبيس أو أى وسيلة مواصلات أخرى زى ... فقاطعنى صائحاً: أيوه وسيلة ... وسيلة مواصلات ... كلام سليم، يعنى أى شئ محتاج إلى وسيلة للوصول إليه ... صح؟ فقلت: لأ مش صح ... لو مشوار قريب أنا حامشى برجلى، فرد قائلاً: ورجلك دى مش وسيلة للمواصلات، بمعنى أنها نقلت بقية جسدك كله إلى المكان اللى عاوزه، ربنا سبحانه وتعالى خلق لنا الخمس حواس وجعلها وسائل مثال هل تعرف طعم الأكل أو الشرب من غير ماتختبره بلسانك؟ السمع مش وسيلة لمعرفة مايقال؟ اللمس مش وسيلة لمعرفة الأشياء صلبة أو لينة أو سخنة أو باردة؟ النظر مش وسيلة ما ترى من الأشياء حولك؟ الشم مش وسيلة لمعرفة والتفرقة بين الروائح العطرة الجميلة وبين الروائح الكريهة؟ وربنا خلق لنا العقل وهو من أرقى وسائل الإدراك، فلولا هذه الوسيلة ما أدركت على سبيل المثال كيف تأكل باستخدام اليد، وإلا كنا كالبهائم نشرب كما يشربون ونأكل كما يأكلون، وأحسست بأن أحداً ما أمسك بكتفى، وهزنى بشدة، فأخرج من رأسى تراب كثير كان يملؤها، وصحت قائلاً: الله ... الله ... ما الكلام ده صح، وقدام عين الواحد على طول ... طيب بننكر ليه الوسيلة؟ فرد قائلاً: الحمد لله ... يبقى اتفقنا على أن كل شئ للوصول إليه لازم وسيلة ... صح؟ فهززت رأسى بالموافقة، وأنا فى حالة ذهول تام، فأكمل كلامه: دا ربنا سبحانه وتعالى جعل بيننا وبينه وسيلة ... أيوه ... الأنبياء والرسل وسيلة إلى الله، فقلت: والعبادة مش وسيلة إلى الله؟ فقال: انت واثق ان عبادتك وعبادة البشر مقبولة عند الله؟ دا أولاً، ثانياً انت واثق ان عبادتك خالصة لوجه الله، فقلت: لأ، فقال: يبقى إزاى تكون وسيلة إلى الله، والله طيب يحب كل طيب ... مش كده؟ ونظر إلىّ فلم أنطق بكلمه، فأكمل حديثه ... ألم يقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا أعرفكم بالله وأنا أخوفكم منه)، يبقى إذا كنت لا تعرف الله، فتعرف على من يعرف الله، وإن كنت لا تعرف من يعرف الله، فتعرف ... وهكذا شوف انت فين من دول وتعرف على من هو أعلى منك معرفة فيهم، علشان كده ربنا سبحانه وتعالى أرشدنا أن نقول فى سورة الفاتحة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ صراط مين؟ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ اللى هم مين؟ عاوز تعرفهم تروح لسورة النساء الآية رقم 69، انت عارف الآية بتقول إيه؟ فقلت: أيوه ... ومن يطع ... فقاطعنى قائلاً: لأ ياأخى ومن يعبد، فقلت: لأ ومن يطع أنا حافظ الآية دى كويس، هات مصحف ونقرأها فيه، فقال: لأ ... أنا مصدقك، بس عاوز ألفت نظرك لحاجة بسيطة قوى، الآية بتقول ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ هم دول أصحاب الصراط، هم دول اللى لازم تعرفهم وتمشى وراهم، ... ليه؟ علشان الناس دى حتعلمك العبادة الصح، يبقى هم إيه؟ وسيلة ... أو لأ؟ فقلت: لى سؤال يمكن يكون فيه غباء شوية ... بس أنا عاوز أفهم، الصراط ده مش فى الآخرة، لما الناس تعدى عليه؟ فرد قائلاً: يا أخى غريبة إن ده ما واضح، انت مش بتقول بتقرأ المصحف يومياً، ماشفتش الآية 153 فى سورة الأنعام يتقول إيه ... ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ يبقى الصراط فين دنيا أو آخرة؟ فيه دليل تانى على أن الصراط المستقيم ده فى الدنيا لما ربنا سبحانه وتعالى قال لإبليس اللعين ﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ الأعراف 15، فرح اللعين قوى ... وقال كلام ... الكلام ده مذكور فى سورة الأعراف الآيات رقم 16، 17 ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ • ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ معلش برضه لى سؤال غبى شوية ... هو إبليس شغال فى الآخرة؟ فقلت بصوت منخفض لأ فى الدنيا، فرد قائلاً: إيه مش سامع كويس، فقلت: خلاص ياعم ... كمل كلامك عرفنا ان لكل شئ وسيلة ... وبعدين؟ فقال: يبقى إحنا لازم نعرف شريعة صح لأنها الوسيلة إلى الحقيقة ... بس خللى بالك أنا مش باقولك روح ادرس فقه شريعة علشان تعرف الشريعة ... لأ ... أنا عاوزك تعرف المطلوب منك فى الشريعة وتعمله، إيه المفروض عليك وإيه اللى مش مفروض، إيه اساس العبادة؟ أوضّح أكثر، إيه هى الأمَارة اللى بتدل على أنك عبد؟ وسَكَت لأنى لم أعرف الجواب، فقال: الطاعة هى الأساس، علشان كده ربنا سبحانه وتعالى قال ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ النور 54، سؤال تانى بس مش غبى ... إزاى نطيع الله؟ فقلت: بتنفيذ الأوامر بتاعته فقال: طيب ... والأوامر دى فين؟ فقلت: فى القرآن الكريم طبعاً ... فرد قائلاً كويس قوى ... والقرآن نزل على مين؟ فقلت فى سخرية: إيه الأسئلة الهايفة اللى بتقولها دى؟ فقال: معلش استحمل هيافتى وجاوبنى، فقلت: نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو اللى قالوا لنا ... تحب أقولك السيرة النبوية كلها، فضحك وقال: لأ ... كفاية قوى اللى انت قلته إن القرآن نزل على سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم وهو اللى بلغنا به ... مش كده؟ فقلت وأنا فى حالة زهق من إعادة الكلام والتطويل فيه: أيوه ياسيدى ... كده صح وبعدين ... لخص بقى ...، فرد قائلاً: يعنى الأوامر اللى أمرنا ربنا بطاعته فيها جاءت على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بمعنى آخر وكأن سبحانه وتعالى يقول لنا إن طاعته فيما أبلغنا به رسوله صلى الله عليه وسلم ... مظبوط؟ فاعتدلت فى جلستى ونظرت إليه قبل أن أجيبه، فلقد أحسست بأن هناك شئ يريد أن يوصلنى إليه بطريق غير مباشر أو مباشر ويمهد له فقلت: أيوه ... مظبوط فقال: يعنى إحنا المسلمين من أيام الصحابة إلى مايشاء الله خدنا القرآن والسنة من مصدر واحد هو قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو اللى قال الكلام ده آيات أو قرآن أو كلام المولى جلا وعلا ، أو قال الكلام ده كلامى ... يبقى هو اللى فرق بين كلام الله وكلامه هو ولولا كده ماكناش عرفنا القرآن من كلامه، مش كده؟ وهو اللى قال لنا الصح فين وازاى نعمله والغلط فين وإزاى نتجنبه، وربنا سبحانه وتعالى أوضح الأمر كله بقوله ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ الحشر 7، ... فهمت الموضع ده؟
أحمد نور الدين عباس
-------
رابط الموضوع:
http://www.almagalla.info/2012/jan9.htm
=========
بركته أينما حل أو رحل
لا تزال أصداءُ الهجرة تتردَّد بين جنَبَاتِ أهل الدين توقظُ فيهم كلَّ معنى، بل كلَّ مبنى، حتى يظلَّ حديثُ الهجرة أبدَ الدَّهر جنةً يفوح منها عبْقُ أريج الرَّاحِ الأذْفَرْ، يتنزلُ من السماءِ ماءً مباركاً، فتسِيلُ أوديةُ قلوبِ المؤمنين بقدَرِها كلٌّ على قدْر ما نال من فيْض مولانا تعالت قدرتُه، وجلَّتْ حكمتُه فيؤتيها من يشاءُ، ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتى خيراً كثيرا، ولقد عوَّدنا النبى الكريم فى كل منسك من مناسك الدين، وإن شئت فقل فى كل شعيرة من شعائره أن تبقى عطاءاتُها منهلاً عذباً يستقى منه الواردون، ومعيناً لا ينضبُ أبدَ الآبدين، فإذا أردت أن تستقصيه أو تستوفيـَه عجزتَ عن درك هذا فيرجع طرفُك إليك بخبر الصديق والرفيق فى الغار معلناً (العجز عن درك الإدراك إدراك) ... ومن مشاهد الهجرة مشهدٌ أهمله الكثيرون على ما فيه من خير كثير وكلأ وفير وغيث هطال غزير، ألا وهو خبُر تلك المرأة السخيَّة العجوزة العفيـَّة السنية الرضية؛ أم معبد الخزاعيَّة ... تلكم المرأة التى جعلت العنصر النسائى فى رحلة الهجرة المباركة على رأس من حملوا راية الإسلام، فَلَهُنَّ على كل مسلم فضلٌ لا يُنسى ودينٌ لا يُقضى، وما أجمل قول القائل وكأنه لسان حال النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم:
لَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ تَوَسَّلُوا وَكَذَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ اللاَّئِى
أَضْحَى الرِّجَالُ بِعَزْمِهِنَّ كَسَاقَةٍ وَبِبَعْضِ أَيْدِيهِنَّ كَانَ لِوَائِى
فِيهِنَّ مِنْ سِرِّى وَمِنْ عَزْمِى كَذَا مِنْ هِمَّتِى وَحَبَوْتُهُنَّ ثَنَائِى
وسنمضى بتوفيق الله وبعونه - كما عودنا ربنا سبحانه - فى قراءة حديث أم معبد قراءة متأنية، نستنبط منه العلم والهدى ومكارم الأخلاق، من قوله وفعله وحاله وإشاراته صلى الله عليه وسلم فى هذه الرواية التى أتحفنا بها الإمام الطبرانى فى المعجم الكبير والحاكم فى المستدرك وغيرهم كثير، وسأبيِّن معانى المفردات كلما وجدت سبيلا إلى ذلك، لأن من أهمل فى سَوْق الحديث ما اضطر إلى ذلك إلا لأجل المشقة فى سرد المعانى، ثم أعلِّق كلما عنَّت فائدةٌ أو لطيفةٌ أو ملمحٌ سائلاً المولى التوفيق والهدى والقبول.
"عَنْ حِزَامِ بن هِشَامِ بن خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ هِشَامِ بن حُبَيْشٍ، عَنْ أَبِيهِ حُبَيْش بن خَالِدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - هو أخو أم معبد واسمها عاتكة بنت خالد - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَخَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ وَأَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه، وَمَوْلَى أَبِى بَكْرٍ عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ رضى الله عنه، ودَلِيلُهُمَا اللَّيْثِىُّ عَبْدُ اللهِ بن الأُرَيْقِطِ ..."
تعليق: المعاصرة والمواطنة فى كلام النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم: انظر إلى أسبقيته صلى الله عليه وسلم فى إرساء أول معالم مصطلحات المواطنة والاختيار على أساس الكفاءة والصفات الإنسانية الفاضلة مجردةً عن التعصب المذهبى الأعمى الذى نراه فى الظرف الراهن، وكأنه يوجه النصيحة من منبره الآن لأمته فى الوقت المناسب تماما، فاختار رجلا مشركا إلا أن فيه مروءة عربية وأمانة وكفاءة وتخصصا ليكون دليل الرحلة المباركة التى انبنى عليها بعد ذلك قوام الدين كله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
"... مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَىْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً - امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب وهى مع ذلك عفيقة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم من البروز وهو الظهور والخروج - جَلْدَةَ تَحْتَبِى بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ تَسْقِى وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ - أى نفذ زادهم - مُسْنِتِينَ - أى مجدبين، أصابتهم السّنة وهى القحط والجدب - ..."
تعليق: القدر يسوق إلى الكريمة من هو أكرم وأجود من الريح المرسلة: امرأةٌ شأنها الكرم والقِرى والإرفاد؛ إلا أن الدهرَ قُلَّبُ لا أمانَ له، فيسوق الله لهذه الكريمة الجوادة المعطاءة لكل من يمر بخيمتيها رجلا لم تكن لتحلم أن تراه أو تعرفه، ولم تكن لتعلم أنه لا يجوز لأمثالها أن يتكرم على مثله صلى الله عليه وسلم ، فهو الذى ولد يتيما لكى يكون نداءه دائما لمولاه (يارب أمتى) فتأتى حكمة من يقدِّرُ الأقدار أن يتزامن وقت جدبها وقحطها مع مروره بخيمتها فتنقلب الأعيان لأجله صلى الله عليه وسلم ويقضى الله أمرا كان مفعولا..
" ... فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَاةٍ فِى كِسْرِ الْخَيْمَةِ - أى جانبها وتفتح الكاف وتكسر - فَقَالَ (مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟) قَالَتْ: خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ (فَهَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟) قَالَتْ: هِى أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ (أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلُبَهَا؟) قَالَتْ: بَلَى بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، نَعَمْ إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا ..."
تعليق: حسن الخطاب من ثمرات الفراسة والأدب: والمعصوم ينظر حوله وهو الذى أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه، لأن له نظرةٌ هى "نظرة الراعى" وهو والله خيرُ الرُّعاة، فينظر صلى الله عليه وسلم ليجدَ شيئاً يُجْرِى الله فيه على يديه تصاريفَ الجود والكرم والسخاء، ليكرم به أصحاب الخيمة كما احبوا أن يكرموه وعجزوا، فيرى الشاةَ وكأنهما على موعد ... ثم يتنزل من علياء النبوة إلى آفاق الخلق الرفيع على أرض الجمال ليستأذن أن يحلب الشاة ... وهنا يأتى دور فراسة أم معبد، ولم لا وقد رأت من بعض نوره ومضة، واستشعرت من عذب الحديث قصة، واغتسل القلب يقظانا بعد طول غفلة، فأرسل إلى الترجمان بيانا أنْ تأدبْ أيُّها اللسان فربما كان محدِّثُك هو النبىُّ العدنان، فانطلق مرتديا للأحرف إزاراً وللكلمات رداءاً، فقال - أى لسانها: بَلَى بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، نَعَمْ إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا ... وهل لغيره يحلو مثل هذا الخطاب؟! وهل لغيره يكون مثل هذا التحبب والأدب ؟! فأثمر نبتها بعد أن رضى الحبيب وربُّ الحبيب.
"... فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا وَسَمَّى اللهَ عز وجل وَدَعَا لَهَا فِى شَاتِها، فَتَفَاجَّتْ - أى فتحت ما بين رجليها للحلب، والتفاج المبالغة فى تفريج ما بين الرجلين - عَلَيْهِ وَدَرَّتْ واجْتَرَّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ - أى يرويهم، يثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض. والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة - فَحَلَبَ فِيهَا ثَجًّا - أى لبنا سائلا كثيرا - حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ - يريد علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيص رغوته يريد أنه ملأها - ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، وَشَرِبَ آخِرَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرَاضُوا - يريد أنهم شربوا حتى رووا فنقعوا بالرى - ثُمَّ حَلَبَ فِيهَا ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا ثُمَّ بَايَعَهَا وارْتَحَلُوا عَنْهَا ..."
تعليق: المسح باليد والتسمية ثم الدعاء: انظر إلى هذا الترتيب الغريب العجيب، فهديُه صلى الله عليه وسلم لنا أن نسمى الله أولا فندعو ثم نمسح، أما هو صلى الله عليه وسلم فبركته مجعولة فى ذاته بجعل مولاه لا بجعل غيره، حتى أن مجرد نظره لصحابته الكرام كان تربية وترقية لهم ففى الأثر عن عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، أَضَاءَ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا عَنِ التُّرَابِ، وَإِنَّا لَفِى دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا ... فبمسح يده حصل الشفاء، وبالتسمية انتفى النقص واكتمل العطاء، وبالدعاء تعدى النفع إلى كل من شرب من هذه الشاة ونسلها من الشاء، أما صاحبة الشاة فحسبها أن بايعها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرحل عنها، فتكتَّمَت أمرَه صلى الله عليه وسلم حتى على زوجها لما رجع ..
"... فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزْلا - يقال تساوكت الإبل إذا اضطربت أعناقها من الهزال. أراد أنها تتمايل من ضعفها - ضُحًى، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ وَالشَّاةُ عَازِبٌ حِيَالٌ - أى بعيدة المرعى لا تأوى إلى المنزل فى الليل. و"الحيال": جمع حائل وهى التى لم تحمل - وَلا حَلُوبةَ فِى الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لا وَاللهِ إِلا أَنَّهُ مَرَّ بنا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صِفِيهِ لِى يَا أُمَّ مَ