مشروعية بناء المقامات
ظهر فى الآونة الأخيرة شرذمة ضالة مضلة كفرت المسلمين تارة وقتلت بعضهم تارة أخرى، وفسرت كلام المولى تبارك وتعالى على هواهم الشيطانى المضل، مخالفين بذلك إجماع الأمة من السلف والخلف، بل وصل بهم الأمر إلى الإدعاء بأنهم يتبعون السلف، والسلف الصالح منهم ومن أقوالهم وأفعالهم براء، ووصل بهم الأمر غايته حين انتهكوا حرمات الأموات ونبشوا قبورهم وتعدوا بالهدم والتدمير على مقامات ومساجد أهل البيت والصحابة والعلماء والصالحين، مخالفين بفعلهم الشنيع سنة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ومخالفين عمل الصحابة والتابعين والأئمة وتابع التابعين وإجماع المؤمنين الموحدين .. ونقول وعلى الله بعد قصد السبيل:
أولا: مقامات الرسل والأنبياء عليهم السلام :
إذا تصفحت التاريخ الإسلامى تجد أن مقامات الرسل والأنبياء وقبابهم كانت موجودة منذ زمن الأنبياء وعلى حالها فى شتى بلاد الشرق، منها ما هو موجود فى سوريا، ومنها ما هو فى فلسطين، ولما جاء الفتح الإسلامى لهذه البلاد وفتح الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس وجد المقامات على حالها، فقام بزيارتها هو والصحابة معه، بل أمر بصيانتها وبناء المساجد عليها والصلاة فيها، ولم يأمر بهدمها، ومنذ الصدر الأول للإسلام وحتى يومنا هذا يقوم المسلمون بزيارة هذا المقامات والتبرك بها، بل إن الفاروق رضي الله عنه فى زمنه وجد الكنائس بأبنيتها المرتفعة فى مصر والشام فتركها على حالها ولم يأمر بهدم أى كنيسة فى مصر أو فى سوريا أو فى فلسطين أو غيرها، وهذا هو فعل الصحابة وهم خيرة الناس رضي الله عنهم أجمعين.
بل لقد وصل الأمر بالفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حينما وصل إلى بيت المقدس دخل كنيسة بيت لحم وصلى بها ركعتان تبركا بمكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وهو مكان ولادة سيدنا عيسى عليه السلام، وأمر المسلمين أن يصلوا منفردين فى هذه الكنيسة تبركا بموضع ولد فيه سيدنا المسيح، وموضع صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وأمر المسلمين ألا يصلوا جماعة فى هذه الكنيسة بل يصلوا فرادى بها، وهى كنيسة (بيت لحم) والمعروفة اليوم بكنيسة (المهد) وهى على حالها إلى الآن يتبرك المسلمين بالموضع المبارك فيها.
وعن قبر سيدنا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام يقول الحافظ ابن كثير: فقبره -أى سيدنا إبراهيم عليه السلاك- وقبر ولده سيدنا إسحاق عليه السلام وقبر ولد ولده سيدنا يعقوب عليه السلام فى المربعة التى بناها سيدنا سليمان بن سيدنا داود عليه السلام ببلد (حبرون) وهو البلد المعروف اليوم باسم (الخليل) وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلاً بعد جيل من زمن بنى إسرائيل وإلى زماننا هذا.
وذكر صاحب كنز العمال والحافظ ابن عساكر فى تاريخ دمشق وفى كتب السنة والسيرة والتاريخ عن الصحابى الجليل تميم الدارى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أقطعه الأرض التى حول بلد وقبر سيدنا إبراهيم الخليل وما حولها وهى مازالت معروفة إلى الآن وقفا له ولذريته من بعده.
وذكر صاحب كنز العمال والديلمى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو أعرف قبر أخى يحيى بن زكريا لزرته).
وعن قبر سيدنا موسى عليه السلام يقول سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده والبخارى ومسلم والنسائى وجمع الجوامع للسيوطى.
وورد فى تفسير الطبرى والكشاف لقوله تعالى ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ قال المسلمون: بل نحن أحق بهم، هم منا، نبنى عليهم مسجدا نصلى فيه ونعبد الله فيه.
ثانيا: مقامات الصالحين فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم :
فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عُقد عهدا مع أهل مكة يُسمى "صلح الحديبية" ومدلوله أنه إذا أراد أحدا من أهل مكة الذهاب إلى الرسول يرده فلا يقيم معه فى المدينة المنورة، وفعلا دخل عدد كبير من أهل مكة الإسلام ولم يذهبوا إلى المدينة تنفيذا لصلح الحديبية بل أقاموا فى مكان بين مكة والمدينة، وكان أعلمهم بالقرآن يؤمهم للصلاة وهو الصحابى الجليل أبو بصير رضي الله عنه ، فلما مات فى هذا المكان أجمع الصحابة الموجودين فى هذا المكان وكانوا أكثر من ثلاثمائة من الصحابة الأجلاء أمثال الصحابى الجليل أبو جندل سهيل بن عمرو وغيره رضي الله عنهم أجمعين؛ أن يبنوا على قبره مسجدا، وصلوا جميعا فى هذا المسجد فترة زمنية طويلة، حتى نقض المشركين صلح الحديبية، ولما ذهب الصحابة إلى المدينة المنورة أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بفعلهم فأقرهم على ذلك الفعل الشريف، وأصبح بذلك بناء المقامات على الصالحين سُنة نبوية أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذه القصة رواها ابن سيد الناس فى عيون الأثر، كما رواها موسى بن عقبة فى "مغازيه" عن الزهرى عن عروة بن الزبير عن المِسْوَر بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وهذا إسناد صحيح كله أئمة ثقات، وأقر النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يأمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين جيلاً بعد جيل وخلفًا عن سلفٍ من غير نكير.
وفى زمن النبى صلى الله عليه وسلم أيضا وبعد غزوة بنى قريظة، لما حضرت الوفاة الصحابى الجليل سيدنا سعد بن معاذ الأنصارى رضي الله عنه وانتقل إلى جوار ربه أخبرنا المعصوم صلى الله عليه وسلم فى الأحاديث المشهورة أن ملائكة السموات نزلت إلى الأرض لتشيع جنازة سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه وأن عرش الرحمن أهتز لموت سيدنا سعد بن معاذ ، ولما أخبر الصحابة الرسول الكريم أنهم كانوا يجدون خفة فى حمل نعش سيدنا سعد بن معاذ الأنصارى ، أخبرهم المعصوم صلى الله عليه وسلم أن الملائكة كانت تحمل نعشه، ولما دفن الصحابة الأجلاء سيدنا سعد بن معاذ أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِموا قبره ليكون مميزا ومعروفا عن سائر القبور الموجودة حوله، وذلك لعلو شأن هذا الصحابى الجليل سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه وصلاحه وتقواه وخدمته ومحبته للنبى صلى الله عليه وسلم ، وبذلك أيضا أصبح تمييز قبور الصالحين ببناء القباب والشواهد والمقامات على قبورهم سُنة نبوية أمر بها الحبيب صلى الله عليه وسلم لتمييز قبور الصالحين عن غيرهم.
ومما ورد فى كتاب "تاريخ المدينة" أخبرنا فليح بن محمد اليمانى قال حدثنا حاتم بن إسماعيل قال حدثنا كثير بن زيد عن المطلب قال: لما دفن النبى صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون قال لرجل (هلم تيك الصخرة أضعها على قبر أخى أتعلمه بها، أدن إليه من دفنت من أهلى)، فقام الرجل إليها فلم يستطعها، قال المخبر: فكأنى أنظر إلى بياض ساعدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتملها حتى وضعها عند قبره. رواه البيهقى والامام أحمد وأبو داود بإسناد جيد.
وعن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله : الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، قال: وبكى النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأَخذ النبى صلى الله عليه وسلم بيده وقال (دعهن يا عمر) وقال (وإياكن ونعيق الشيطان، فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، ومهما يكن من اللسان ومن اليد فمن الشيطان) قال: فبكت فاطمة رضي الله عنها على شفير القبر، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه. ولما تولى مروان بن الحكم خلافة المدينة مر على ذلك الحجر، فأمر به فرمى وقال: والله لا يكون على قبرعثمان بن مظعون حجر يعرف به، فأتته بنو أمية فقالوا: بئس ما صنعت؟ عدت إلى حجر وضعه النبى صلى الله عليه وسلم فرميت به.
ثالثا: المقام النبوى الشريف:
عندما حضرت الوفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه ملك الموت، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم (جئتنى زائرا أم قابضا)؟ قال: جئتك زائرا وقابضا وأمرنى الله عز وجل أن لا أدخل عليك إلا بإذنك ولا أقبض روحك إلا بإذنك فإن أذنت وإلا رجعت إلى ربى عز وجل.
فانظر أيها الأخ الحبيب وانتبه معى جيدا إلى ترتيب الأحداث الذى رتبه صلوات ربى وسلامه عليه:
1- لمعرفة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدنو أجله اختار أن يدخل إلى حجرة السيدة عائشة ليدفن فيها.
2- الحجرة لها سقف وجدران وباب ونافذة.
3- مع علمه صلى الله عليه وسلم أنه سوف ينتقل إلى جوار ربه اختار هذا البناء ليكون مكان دفنه وكان يعلم أنه سوف يدفن فى هذا المكان، وهو حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها .
4- أخبر السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كما ورد فى الصحاح أنه دنا الأجل وأنه سوف يلقى ربه.
5- أخبر السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أنها أول أهل بيته لحوقا به.
6- اتفقنا أنه صلى الله عليه وسلم علم برحيله عن الدنيا فلماذا لم يذهب إلى مقابر المسلمين فى البقيع أو غيرها؟
7- لماذا خصص لنفسه صلى الله عليه وسلم مدفنا منفردا دون سائر المسلمين؟
8- بعد أن حانت ساعة اللقاء اجتمع الصحابة وأخذوا يتشاورون أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال قائلهم: ندفنه مع إخوانه الأنبياء فى بيت المقدس، وقال آخر: بل ندفنه مع أصحابه فى البقيع.
9- وهنا قال الصديق سيدنا أبوبكر رضي الله عنه : إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (مَا قُبِضَ نَبِىٌّ إِلاَّ دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ).
10-فدفن النبى صلى الله عليه وسلم فى مقامه الشريف حيث اختاره بنفسه وهى حجرة لها سقف وتحيط بها الجدران ولها باب ونافذة وهو ما يطلق عليه فى وقتنا الحاضر المقام.
والمعلوم والمشهور فى السنة النبوية المطهرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار من بين أحبابه من سيدفن بجواره فى مقامه الشريف حيث أخبرنا سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال (ما من مولود إلا وفى سرته من تربته التى يولد منها فإذا رد إلى أرذل عمره رد إلى تربته التى خلق منها حتى يدفن فيها، وإنى وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن) جمع الجوامع للسيوطى ومسند الديلمى وكنز العمال.
كما ورد فى حاشية الطحاوى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر ابنه إبراهيم فرأى فيه حجر أسقط فيه فسده وقال (من عمل عملا فليتقنه) وأنه صلى الله عليه وسلم رفع قبر ابنه إبراهيم شبرا وطينه بطين أحمر. وذكره أيضا صاحب "مراقى الفلاح".
رابعا: المقامات بعد زمن النبوة المطهرة:
لما فتح الله البلاد مشرقها ومغربها على يد الصحابة والتابعين فى أزمنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وانتشر الصحابة وأهل البيت فى شتى البلاد وأخذو يعلمون الناس الإسلام وشريعته الغراء ويحثون الناس على ذكر الله والأعمال الصالحات ويشرحون للناس فضائل خير البرية صلى الله عليه وسلم ، وأفاضوا على الناس بعلومهم التى تعلموها، وأفنوا أعمارهم فى خدمة الإسلام فى شتى البلاد، وكان كلما حضرت الوفاة أحدهم يقوم أهل هذه البلاد بعمل شواهد على قبورهم وإقامة المساجد والقباب على قبورهم اتباعا لسنة النبى صلى الله عليه وسلم فى تعليم قبور الصالحين وإشهارها وتمييزها عن غيرها من قبور العوام، وصار الناس يتبركون بقبور أهل البيت والصحابة والصالحين منذ الصدر الأول للإسلام حتى يومنا هذا خلفا عن سلف، ولعلمهم التام بصلاحهم وطاعتهم ومحبتهم وقربهم من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم صار الناس يزورون هذه المقامات ويتبركون بهولاء الصفوة الأعلام من خيرة الناس من أهل البيت والصحابة والصالحين والعلماء المتحققين، ولم ينكر زيارتهم والتبرك بهم أحدا من علماء الأمة وصالحيها منذ زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وحتى يومنا هذا إلا جاهلا بالفقه والسُنة النبوية والتاريخ الإسلامى أو حقودا أو عدوا أو منكرا قدر وفضائل أهل البيت والصحابة والصالحين.
ومما ورد فى كتاب (وفيات الأعيان) لابن خلكان والكتاب من أهم المصادر فى التراجم والتاريخ، والترجمة تخص عام 476 هجرية وتخص الوزير ظهير الدين الروذراورى؛ قال:
حين مات فى المدينة المنورة ودفن بالبقيع عند القبة التى فيها قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - وهذا يرشدنا أيضا على وجود القباب والمقامات على القبور فى بقيع الغرقد قبل أن تهدم على ايدى الوهابية الضالة المضلة.
قال الإمام البيضاوى:
لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون فى الصلاة نحوها واتخذوها أوثانًا لعنهم ومنع المسلمين من مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا فى جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه فلا يدخل فى ذلك الوعيد.
وورد عن شيخ الإسلام العز بن عبد السلام لما أراد هدم القبور للمنفعة العامة قرب مقام الإمام الشافعى رضي الله عنه أنه ترك مقامات الصالحين ولم يهدمها ومنها مقام الإمام الشافعى رضي الله عنه وأمر بصيانتها وتجهيزها للزيارة وللتبرك.
وورد عن ابن مفلح الحنبلى تلميذ ابن تيميه قوله "القبة والحظيرة -المقصورة- فى التربة -يعنى على القبر- أن كان فى ملكه فعل ما شاء". ومعناه أنه أقر أن تقام القباب والغرف على القبور مادامت فى ملك صاحب القبر أو ملك من يقيمها.
وعن الإمام ابن حجر فى التحفة فى كتاب (الوصايا) قوله: ويظهر أخذا مما مر ومما قالوه فى النذر للقبر المعروف جواز صحتها كالوقف لضريح الشيخ الفلانى أنه يصرف فى مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه.
خامسا: زيارة قبور ومقامات الصالحين:
لقد فضل الله تبارك وتعالى أمهات الأنبياء عليهم السلام وأثنى عليهم فى كتابه الكريم فى آيات وسور متعددة لا يسع المقال ذكرها، منها:
أم سيدنا موسى عليه السلام فلقد رفع الله ذكرها وأوحى إليها وثبت قلبها وصرف عنها السوء ورد إليها وليدها وأعطاها من الأجر المضاعف. لماذا؟ لكونها ترضع وتخدم نبى الله وكليمه سيدنا موسى عليه السلام
أم سيدنا عيسى عليه السلام وهى السيدة مريم بنت عمران أثنى تبارك وتعالى عليها وأنزل سورة فى القرآن تحمل اسمها. لماذا؟ لكونها فضلت بالرعاية والخدمة لنبى الله سيدنا عيسى عليه السلام .
وها هى التقية النقية الطاهرة أم الهدى السيدة آمنة بنت وهب رضوان الله تعالى عليها أم سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تخدم حبيبها وقرة عينها وتسهر على راحته بقية حياتها.
لما انتقلت لجوار ربها صار النبى صلى الله عليه وسلم يتردد على قبرها ليزورها ويدعو لها ويستأنس بالجلوس إلى جوارها فى قبرها.
أليس هذا أدعى للمسلمين عامتهم وخاصتهم فى أن يتبعوا سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى زيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب عليها الرضوان من رب العالمين؟!!
ولقد ورد فى كتب السُنة والسيرة المطهرة عن النبى صلى الله عليه وسلم زيارته المتعددة لقبور الصالحين من أهل البيت والصحابة وأمهات المؤمنين فى بقيع الغرقد.
كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه زار قبور شهداء أحد فى جبل أحد وأمر المسلمين بزيارتهم، فعن سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير حين رجع من أحد فوقف عليه وعلى أصحابه فقال (أشهد أنكم أحياء عند الله فزوروهم وسلموا عليهم فوالذى نفس محمد بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا إلى يوم القيامة). انظر جمع الجوامع للسيوطى والمعجم الكبير والأوسط للطبرانى وكنز العمال للمتقى الهندى.
وورد عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم مداومتهم على زيارة الصالحين فى البقيع وكذلك شهداء أحد.
وعن الإمام الشافعى رضي الله عنه أنه كان يقول: إنى لأتبرك بأبى حنيفة وأجئ إلى قبره فى كل يوم -يعنى زائرا- فإذا عرضت لى حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عنى حتى تقضى.
وفى كتاب (الطبقات السنية فى تراجم الحنفية) أن الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه كان دوما ينصح بزيارة مقامات الصالحين فقال فى نصيحة لأبى يوسف رضي الله عنه "وأكثر من زيارة القبور والمشايخ والمواضع المباركة".
وعن الإمام أحمد بن جنبل رضي الله عنه أنه كان يزور مقام الإمام الشافعى رضي الله عنه ويتبرك به كما ورد انه اشتكى وجع الدمل فذهب إلى مقام الإمام الشافعى رضي الله عنه ومسح على وجهه فشفى من دمله باذن الله تعالى.
وفى تاريخ بغـداد (1/120) عن المحدث أبو على الخلال قال: فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به.
وفى الثقات (8/457) عن الحافظ ابن حبان كان إذا أهمه أمر قصد قبر الإمام على الرضا رضي الله عنه فينكشف همه، وقال "وقد جربته مرارا".
ومن تاريخ دمشق (6/443) لابن عساكر عن الحافظ ابن عساكر كتب فى أربعينياته: (يا محمد إنى أتوجـه بك إلى ربى) وكتبه عامرة بالتوسل، وذكر مناقب جعفر الصادق رضي الله عنه بقوله فيه "وبالنبى متوسلا" وذكر عن أحد الصالحين أن قـبره يتبرك به.
وعن الحافظ عبد الغنى المقدسى كان يتبرك ويتمسح بقبر الإمام أحمد رضي الله عنه لما خرج دمل فى جسده لم يجد له دواء.
وفى سير أعلام النبلاء (18/101) أن الحافظ الذهبى ذكر أحد الصالحين وقال: (وكان ورعاً تقياً محتشماً يتبرك بقبره).
وورد ن أئمة الدين الكرام زيارتهم لمقامات الصالحين والتبرك بها، فعن أبى عبد الله المحاملى أنه قال:
أعرف قبر معروف الكرخى رضي الله عنه منذ سبعين سنة، ما قصده مهموم إلا فرج الله همه.
أليس هذا كله يرشدنا إلى زيارة مقامات الصالحين والتبرك بها ؟!!!
خاتمة:
وفى الختام اعلم أيها الأخ الكريم أن زيارتهم كانت بأمر إلهى لحضرة النبى صلى الله عليه وسلم والنص أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه وابن حبان فى صحيحه والإمام أحمد فى مسنده ومصنف عبد الرزاق والنسائى فى السنن وشعب الإيمان للبيهقى وغيرهم:
قَالَتْ عَائِشَةُ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قُلْنَا بَلَى، قَالَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِى الَّتِى كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِنْدِى انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِى فِى رَأْسِى وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِى ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ، فَدَخَلَ فَقَالَ (مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً)؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَا شَىْءَ، قَالَ (لَتُخْبِرِينِى أَوْ لَيُخْبِرَنِّى اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى. فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ (فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِى رَأَيْتُ أَمَامِى)؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِى فِى صَدْرِى لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِى، ثُمَّ قَالَ (أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ، قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، قَالَ (نَعَمْ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِى حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِى فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِى، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِى أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ)، قَالَتْ قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ (قُولِى السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ). فانظر أيها الحبيب إلى قول سيدنا جبريل عليه السلام لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِى أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. أليس هذا أمر إلهى على لسان أمين الوحى؟!!!
وبعد سرد كل هذه الأدلة والبراهين يتضح لنا أن بناء المساجد والشواهد والمقامات على قبور أهل البيت والصحابة والصالحين والعلماء المتحققين وزيارتهم والتبرك بهم من السُنة النبوية المطهرة ومن سُنن الصحابة الكرام والتابعين وتابع التابعين وبإجماع الأمة التى لا تجتمع على ضلالة، أمة صاحب المقام المحمود والحوض المورود سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى يوم العرض والشهود.
إبراهيم جعفر
=======
رابط الموضوع :- http://www.almagalla.info/2012/sep10.htm
مقالة ذات صلة بالموضوع "دعونا نهدم مقامات الأولياء"
http://www.almagalla.info/2011/apr11.htm
=======